Monday, October 30, 2006

الحمار في القصص الصيني التقليدي من الحيوانات السحرية
و منير بعد ان تعامل مع القط في العاشق يبدء التعمل مع حيوان آخر في
سر الحمار!!هو ايه يا ترى؟؟؟


سر الحمار


فهم عمى محروس الإشارة فاستدعانى إلى حجرته..

- هل لاحظت؟

- نعم.. لكننى لم أفهم..

كنت أسير مع أبى وعمى محروس وبعض أفراد العائلة فى الشارع الرئيسى للقرية.. انكسرت ظلالنا على حائط مقهى عبد الودود.. كانت كل الظلال واضحة ما عدا ظل عمى محروس.. كان يبدو وكأنه سيتلاشى..

قال:

- إنها إشارة ذهابى..

ثم أمسكنى من يدى.. وخرج معى إلى الحقل.. ركب حماره العجوز وركبت خلفه.. الحمار ضامر.. رمادى اللون.. فى عيونه ذكاء ما.. ولديه قدرة على الجرى مثل حمار شاب.. لم يفكر عمى محروس فى بيعه أو استبداله.. يرعاه كأحد أفراد العائلة.. كابنه..

جلسنا تحت شجرة الجميز العتيقة.. والحمار يتحرك بالقرب منا.. لاحظت دموعا معلقة فى عيني الحمار الذى كان ينظر إلى عمى محروس طويلا.. ثم يدير رأسه بعيدا.. ثم يعاود النظر إليه..

نظر عمى محروس إلى الحمار وابتسم قائلا:

- أتعرف كيف حصلت عليه؟

- اشتريته طبعا..

- لا .. بل جاءنى بنفسه..

واسترسل مع ذكرياته..

كان أقرب طريق إلى القرية يبعد عشرات الكيلو مترات.. وعمى محروس كان مجندا يعود فى أجازاته من الجيش، فيسير على قدميه عدة ساعات حتى يصل إلى القرية.. وتصادف أنه كان يعود دائما ليلا.. وكان عفريت شاب يترصد له ليخيفه.. لم يكن عمى محروس يخاف العفاريت.. كان يحفظ حركاتها المعتادة.. الظهور فى شكل حيوانات.. إحداث أصوات مرعبة.. ظهور واختفاء أضواء ملونة.. كان يحب ذلك العفريت الذى يحاول إخافته لأنه يسليه ويهون عليه الطريق..

ثم ظهر العفريت فى شكل حمار.. ووقف أمام عمى محروس لا يتزحزح.. لم يشعر أنه يتحداه أو يخيفه.. كان يبكى.. وحكى حكايته..

كانت إحدى حكايات الغرام المعتادة.. أحب شابة أغنى منه وأرفع مقاما.. هرب بها.. طاردهما أهلها.. أخذوها منه.. أفلح فى الهرب.. وهو مهدد بالقتل لو عثروا عليه..

ركب عمى محروس الحمار وهو يفكر فى حل للمشكلة.. ثم اقترح عليه أن يظل متخفيا فى شكل حمار.. ويعيش فى الزريبة الكبيرة مع حيوانات العائلة كواحد منها..

ومن يومها وهما لا يفترقان.. يوصل عمى محروس إلى الطريق الرئيسى.. وينتظره عند عودته فى الأجازات.. ويساعده فى مغامراته العاطفية.. والأهم من ذلك أن عمى محروس يحصل كل عام على المركز الأول فى سباق حمير القرى التى تقع وقريتنا فى زمام واحد بفضله.. كان كل منهما الصديق الوحيد للآخر..

قال عمى:

- عندما أرحل لا تربطه فى الزريبة.. دع له حرية البقاء أو الذهاب..

- وإذا ذهب.. ماذا أقول للعائلة؟

- قل إنك بعته وتصدقت بثمنه على روحى تنفيذا لوصيتى..

بعد رحيل عمى رأيت صديقه مرة أو مرتين يحوم بجوار قبره..

وعندما لاحظت أن الصبارة التى زرعتها بيدي أمام القبر أكبر حجما وأكثر اخضرارا من كل الصبار الموجود بمقابر القرية.. عرفت المكان الجديد الذى قرر حمار عمى أن يقضى فيه بقية حياته.

Friday, October 27, 2006

العاشق

كانت الجدة زينات أجمل بنات العائلة، وكانت العانس الوحيد فى تاريخ عائلتنا كله.. حاول خطبتها ثلاثة شبان من أبناء عمومتها وخئولتها.. وتراجعوا لأسباب احتفظوا بها لأنفسهم، لكنها عرفت تلك الأسباب بعد فترة طويلة..

كانت الجدة زينات فتاة مرحة، حلوة الحديث.. لكنها بدأت تعتزل الناس عندما تخطت الخامسة والعشرين من عمرها.. تقضى وقتا طويلا في حجرتها المنعزلة وكأنها ليست ضمن بيت العائلة، أو فوق سطوح الدار، أو فى حقول القرية، وليس معها سوى قطها ذى اللون الرمادى، صديقها الوحيد الذى تبثه همومها وشجونها..

كانت تحب الحياة، لكن الحياة لم تعطها ما تعطى الفتيات الأخريات، لم تعطها من يحبها، ويتزوجها، ويجعلها أما.. لكنها لم تكره الحياة، حولت طاقة الحب بداخلها إلى صديقها القط "مؤنس"..

مرضت وهى فى السابعة والعشرين من عمرها مرضا خطيرا لم تستطع كل وصفات الجدات وعجائز القرية شفاءه.. ونصح الطبيب المقيم بالوحدة الصحية فى إحدى القرى المجاورة بأخذها إلى طبيب مشهور بالإسكندرية..

كانوا يعدون حقيبتها، وحقيبة الجد منصور الذى سيذهب معها، ولم يكن يشغلها سوى "مؤنس" الذى اختفى من أمامها.. لم تكن تستطيع الكلام، فأشارت تسأل عنه.. خرجت إحدى الفتيات لتحضره إليها..

كان "مؤنس" يقف فوق سور السطوح حزينا، تتألق فى ضوء شمس الظهيرة دموع عينيه، كان يخشى فقدها إلى الأبد.. وكان أبى طفلا يلعب بنبلة صغيرة، وجهها إلى رأس "مؤنس" الذى اختل توازنه، فسقط من فوق السور، فكسرت ساقه اليمنى..

قامت إحدى الجدات بتجبير ساق "مؤنس" الذى بكت الجدة زينات لأجله كثيرا.. وبكت أكثر لأنها لن تستطيع أن تصحبه معها إلى الإسكندرية..

وفى الإسكندرية كان بانتظارها قصة حب كبيرة.. كان الممرض الذى يدير عيادة الطبيب المشهور ينتمى إلى عائلتنا بشكل ما.. وقد تعرف على الجد منصور.. وأوصى الطبيب على زينات ابنة عمه.. وأكد الطبيب أن الجدة زينات ليست مريضة.. ولكنها بحاجة إلى بعض التغيير.. ونصح ببقائها فى الإسكندرية عدة أيام..

وخلال الأيام التى أمضتها فى الإسكندرية أحبت عبد الرحمن الذى عشقها لدرجة الموت.. كان الجد منصور يلاحظ العلاقة التى تنمو بينهما فى صمت.. وكان يبارك هذه العلاقة.. بل كان يعمل على التقريب بينهما قدر استطاعته.. وفى النهاية جلس مع عبد الرحمن.. وقال له:

- إننى ألاحظ أنك تميل إلى زينات، وأرى أنها أيضا تميل إليك..

- هذا صحيح.. وأتمنى أن توافق على أن تكون زينات زوجة لى..

لم تسع الدنيا سعادة الجدة زينات.. أخيرا ستتزوج من شخص تحبه ويحبها، وستكون أول فتاة تتزوج خارج القرية..

عادت مع الجد منصور إلى القرية، على أن يأتى عبد الرحمن بعدهما بأسبوع.. وأقيمت الأفراح فى قلوب كل فرد من أفراد العائلة لأجلها.. كان الجميع سعداء ماعدا "مؤنس" الذى أصبح يعرج بقدمه اليمنى.. ويموء فى وجه أبى بغضب كلما رآه..

وجاء عبد الرحمن.. ورحبت به العائلة كلها.. وجلست بينهم الجدة زينات وفى حجرها صديقها الأثير.. لكن عبد الرحمن لم يطلب يدها.. بل إنه لم يبت ليلته فى القرية.. قال إنه جاء ليتعرف بالعائلة، وأن عليه أن يعود فورا وإلا سيفقد عمله فى عيادة الطبيب المشهور.. وأنهى طعامه بسرعة لأن الجد منصور أقسم عليه بالطلاق أن يتناول معهم العشاء، لكنه حتى لم ينتظر ليشرب كوب الشاى..

خرج عبد الرحمن ولم يعد، وأغلقت الجدة زينات باب حجرتها عليها ولم تفتحه أياما كثيرة تعبت العائلة من عدها حتى أصبحت عادة لا تثير الأسئلة، أن تغلق غرفتها عليها وليس معها سوى "مؤنس".. ولم تكن الجدة زينات تشعر بما تفعله فى الحجرة.. كانت الأيام الكثيرة تمر كساعة أو أقل.. تتحدث إلى "مؤنس" فترى فى عينيه أنه يفهمها، ويحس بها، وتشعر بأنه يواسيها عندما يحك جلده بجلدها.. تسمع موسيقى غريبة وجميلة لا تعرف مصدرها، لكنها تدفعها لأن ترقص وترقص حتى تسقط على سريرها أو على الأرض، و"مؤنس" فى حضنها..

وفى يوم كانت الجدة زينات تحمل "مؤنس" بين ذراعيها، وتسير فى الحقول سارحة.. وفجأة انتبهت على حصان الجد عبد الحفيظ يجرى بجنون بلا لجام، تفادته، فوقعت فى مصرف، لكن أقدام الحصان المجنون دهست "مؤنس".. خرجت الجدة زينات من المصرف وملابسها تقطر طينا.. حملت "مؤنس" بين ذراعيها.. كانت أنفاسه تتردد بطيئة واهنة.. وكان ينظر إليها بحزن غامر..

فوجئت بـ"مؤنس" يقول لها:

- سامحينى.. أنا السبب.. حبى هو الذى دفعنى لأبعدهم جميعا عنك..

- ................؟!

- عندما رأيتك عشقتك.. تركت عالمى وحياتى وجئتك فى صورة الحيوان الذى تحبين.. كنت أجعل خاطبيك ينفرون منك أو يخشونك.. كنت أبعدك عن العالم لتكونى لى وحدى كما كنت لك وحدك.. أرجوك.. سامحينى.. أريد أن أسمعها منك قبل أن نفترق الفراق الأخير..

- ...............!!

لم ترد الجدة زينات، قبل أن تفكر فى الرد كانت أنفاس "مؤنس" قد توقفت تماما..

رأيتها وقد جاوزت الثمانين من عمرها.. أخبرتنى أنها لم تعرف إن كانت قد كرهت "مؤنس" أم غفرت له.. لكنها حفرت له فى حجرتها قبرا ودفنته فيه، وأوصت أن يدفنوها فى نفس الحجرة عندما تموت.


Tuesday, October 24, 2006

كانت الايام السابقة اجازة فلم استطع استكمال المتوالية
احب ان نهنيء جميعا الاخ الصديق العزيز منير لان الله قد وهبه مولودة سعيدة في رمضان في ليلة القدر
تحياتي القلبية يا منير

اسامة
ابنهما


نسى خالى شفيق عادته اليومية فلم يخرج منديله ويمسح به الكف الزرقاء التى تتوسطها عين خرزية لامعة والمعلقة فوق جرس الباب.. كان مشغولاً "بالفازة" الزجاجية الشفافة التى يحملها.. "فازة" مملوءة بالزهور تتخذ شكل طفل عمره عام.. وضع "الفازة" على المائدة وفك أجزاءها كما علمه البائع.. أخرج الزهور وألقاها جانباً.. ثم أحضر الإناء الألمنيوم المفلطح الممتلئ بالسمكة السحرية وصبها فى "الفازة".. فطر أبيض مشرب بزرقة خفيفة.. هلامى القوام.. ملأ "الفازة" عائماً فى مياه داكنة يفرزها تشبه الكاكاو الممزوجة بكثير من الحليب..

وقف خالى شفيق لحظات يتأمل الطفل الجميل الذى أمامه.. لم يشأ أن يهنأ بالسعادة وحده.. ذهب ليوقظ زوجته لتأتى وترى الطفل.. تذكر أنها تعانى فى الفترة الأخيرة من حالة إجهاد دائم.. فحمل الطفل وذهب به إلى حجرة النوم.. جلس على طرف السرير.. وضع الطفل بجوار زوجته.. أيقظها بلطف وهو يداعب أنفها بإصبعه.. فتحت عينيها.. رأت الطفل.. شهقت.. ضحك شفيق من أعماقه.. ضحكت هى الأخرى.. أخذت الطفل فى حضنها.. ضمته بشدة.. وبكت.

***

لم يحصل خالى شفيق على السمكة السحرية بسهولة.. عرف بوجودها مصادفة.. قال له زميله فى العمل أن قريباً له يمتلك اثنتين.. وأن زوجة هذا القريب أنجبت بعد انتظار أكثر من عشرين عاماً.. تمسك شفيق بالفرصة.. ألح على زميله ليعرفه بقريبه هذا.. ذهب معه إلى مناطق مجهولة بأعماق ريف محافظة البحيرة.. كاد يبكى وهو يستأذن فى استعارة إحدى السمكتين أو شراءها.. رق له الرجل وباعه واحدة بمائتى جنيهاً..

وهو يخرج بها زوده الرجل بالنصائح.. لا تدع أحداً يعرف أنها عندك.. حافظ عليها.. طعامها "تفل" الشاى.. اشرب أنت وزوجتك مقدار نصف كوب صباحاً على الريق ومثله قبل النوم من المادة الداكنة التى تفرزها.. إنها تشفى من أمراض كثيرة.. ولكن الأهم أنك بعد تسعة أشهر ستصبح أباً.

***

كانت حنان زوجة خالى شفيق تتساءل عن سر تسمية الفطر بالسمكة فهو لا يشبه الأسماك إلا أنه يعوم فى بحر داكن يصنعه بنفسه.. لكنها أحبته وواظبت مع خالى شفيق على الاعتناء به.. تزوده "بتفل" الشاى وتغير له الإناء مرة كل أسبوع.. وتشرب نصف الكوب صباحاً ومساءً..

ساعات طويلة قضاها الاثنان مع الطفل الزجاجى يتأملان حركة الفطر بداخله.. تحس هى أن بأحشائها حركة مماثلة.. يتمنى هو أن يتحرك الطفل ويلقى بنفسه فى حضنه..

***

أعدا للطفل أكثر من مكان بحجرة النوم وحجرة الطعام والصالة.. كانا يحملانه معهما حيثما يجلسان.. أحياناً تدب بينهما مشاجرات صغيرة إذ يكونان فى الصالة مثلاً ويقرران الذهاب للنوم ويصر كل منهما على أن يحمله بنفسه.. ثم يتصالحان بأن يمسك كل منهما بإحدى يديه.. وعندما يكون خالى شفيق جالساً لمشاهدة التليفزيون يحب أن يضع الطفل على حجره.. بينما تصر هى أن تأخذه معها إلى المطبخ لأنها قد تمكث فيه أكثر من ساعة.. وبعد أخذ ورد يقرران نقل التليفزيون إلى المطبخ.. أو تأتى زوجة خالى بالبطاطس التى تقشرها إلى الصالة.

***

أقسم خالى شفيق أنه شعر بأعراض الحمل قبل أن تشعر بها زوجته نفسها.. قبلا الطفل وهما يخرجان لزيارة طبيبة أمراض النساء والدنيا لا تسع سعادتهما بتحقق الحلم بعد انتظار أكثر من عشر سنوات..

قبلا الطفل مرة أخرى عندما عادا بقلوب حزينة..

أخذا الطفل لينام بينهما على السرير لأول مرة بعد أن عرفا أن أعراض الحمل كانت كاذبة.. قالت زوجة خالى: لكن حبنا له صادق!

***

أكدت هى أن الطفل ابتسم لها بينما كانت تشرب كوب الصباح.. لم يكن خالى شفيق مصدقاً تماماً.. لكنه تأكد من صدقها عندما رأى عينين زرقاوين صغيرتين تتحركان فى كل الاتجاهات ثم تستقران عليه وتغمزان.. ناداها.. أراها العينين.. قال بسعادة: ابننا ينمو.. ببطء.. لكن بجمال!

Tuesday, October 10, 2006



شجرة الجميز الغاضبة



كنت فى الرابعة من عمرى، لكننى كنت أعى تماما حجم الكارثة التى تسبب فيها الحاج فتحى عم أمى (وهو عم أبى أيضا، فأبى وأمى أبناء عمومة).

كان الحاج فتحى سريع الغضب، على طرف لسانه قسمه المفضل (يكون هذا الشارب لامرأة إذا لم أفعل كذا..).. فشاربه الكث المبروم هو أهم إنجازاته ومكامن فخره.

لاحظ الحاج فتحى أن قطا رمادى اللون.. فاحم الذيل.. له رائحة الزيت المحروق.. يكمن له كل مساء بين أغصان شجرة الجميز الكائنة على رأس حقله.. ويقفز عليه فجأة وهو عائد من الحقل.. يخمش وجهه حتى يسيل الدم منه.. ثم يقفز عائدا إلى الشجرة.. ويختفى بين أغصانها.

حاول أن يمسك القط فلم يستطع.. ولم يستطع أيضاً أن يحكى ما يحدث.. فعندما كان يعود إلى المنزل وينظر إلى وجهه فى المرآة لم يكن يرى آثار ما يفعله القط به.. رغم شعوره بالألم.

وذات مساء، كان الحاج فتحى عائدا مع بعض أهل القرية.. وفعل به القط فعلته.. والغريب أن كل من كانوا معه لم يروا القط أو يلاحظوا أى أثر على وجهه.. بل ضحكوا منه عندما اضطر أن يشرح لهم كل شئ ليزيل عجبهم من منظره الغريب وهو يحرك يديه فى الهواء مدافعا عن نفسه.. لم يصدقه أحد.. فأقسم أن يقطع شجرة الجميز لأنها مسكونة.. ويكون شاربه على امرأة إذا لم يقطع هذه الشجرة غداً.

كان هذا القسم هو الغلطة الكبرى فى حياة الحاج فتحى، وسبب الكارثة التى هددت جغرافية القرية كلها.

زرع الحاج فتحى شجرة الجميز وهو فى الخامسة من عمره، وكان يشعر أنها جزء منه، لكنه لم يستطع التراجع، فالناس فى قريتنا لا يتراجعون فى (يمين) أبدا.. خصوصا لو كانوا قد أقسموا أمام آخرين.. وقد خرج عدد كبير من أهل القرية ليشاهدوه وهو يبر بيمينه ويقطع شجرة عمره.. لكنهم جميعا ذهلوا من هول المفاجأة..

تحدد أشجار الجميز والتوت والسنط الملكيات فى قريتنا.. فحقل الحاج فتحى يبدأ بشجرة الجميز.. وينتهى بشجرة سنط عتيقة..

وما رآه الحاج فتحى ومن معه، وأذهلهم، هو عدم وجود شجرة الجميز فى مكانها.. غضبت الشجرة من الحاج فتحى.. فابتعدت عن حقله مسافة لا تقل عن خمسين مترا.. وتحركت كل أشجار القرية بدورها لتظل محافظة على المسافة بينها وبين شجرة الجميز..

وقع الفأس من يد الحاج فتحى فكاد أن يقطع قدمه.. ولم يعد أحد يعرف من أين يبدأ حقله أو ينتهى.. شعر كل منهم بأنه تائه ولو سئل عن اسمه فلن يستطيع تقديم إجابة صحيحة..

وتحول الجميع إلى الحاج فتحى ليتراجع عن قسمه ويسترضى الشجرة لتعود مكانها ويعود كل شئ إلى أصله.. ويستعيد كل شخص معرفته بأرضه وذاته.. لكنه ركب دماغه.. فلن تنفذ شجرة كلامها عليه مهما يحدث..

وجرت المفاوضات بين أهل القرية والحاج فتحى.. وهو مصمم على رأيه.. والشجرة يزداد غضبها وتتحرك مبتعدة أكثر.. فتتحرك كل الأشجار تبعا لها.. ويزداد شعور الناس بالضياع..

كان الحاج فتحى يتمنى لو تراجع فى قراره.. فشجرة الجميز عزيزة عليه.. وهو لا يرضى بما فيه أهل القرية من تشتت أوقف حياتهم.. فهم لا يزرعون.. ولا يأكلون..ولا ينامون.. ولا يعاشرون زوجاتهم.. ولا يضحكون.. ولا يبكون.. ولا يتحدثون إلا معه فى موضوع شجرة الجميز الغاضبة.. لكنه لو تراجع فى يمينه سيضطر لأن يحلق شاربه.. وأهون عليه أن تقوم القيامة ولا يحدث ذلك..

لكنه استجاب أخيرا لضغوطهم.. وذهب إلى الشجرة ليعتذر لها ويسترضيها لتسامحه من أجل العشرة الطويلة التى تجمعهما..

وعادت الشجرة إلى موضعها.. ورجع كل شئ فى القرية إلى أصله..



Wednesday, October 04, 2006

مرج الكحل
منها جاء اسم المتوالية الجميلة...قصة رائعة سمعناها من قبل و سنسمعها من بعد ولن نمل منها ابدا!منير يحول الحكايات التي سمعها صغيرا ربما الى كتابة ويستعيد بهذه الوسيلة طفولته ويعيد لنا طفولتنا المسلوبة

مرج الكحل

كان الجد عبد الحفيظ؛ جد أبى، نحيفا كعود قصب، طويلا كنخلة، عاشقا للخلاء.. ولم تكن قريتنا عندما كان شابا سوى شارعين صغيرين فيهما ما لا يزيد عن عشرين أسرة.. خلفهما حقول القرية.. والطريق الذى يربط قريتنا بأقرب قرية لنا يبعد عنا مسيرة أسبوع بحمار جيد العلف، خال من الأمراض.. وعلى اليمين تمتد صحراء لم يحاول أحد أيامها أن يقتحمها فهى بلا نهاية.. وعلى اليسار صحراء قيل إن فى نهايتها يقع مرج الكحل، لكن لا توجد سوى محاولة واحدة للوصول إليه قام بها الجد عبد الكافى أبو الجد عبد الحفيظ، لكنه لم يعد، ولم نعرف وقائع رحلته..

لا يذكر الجد عبد الحفيظ والده الذى رحل قاصدا مرج الكحل بينما كان ابنه فى عامه الأول..

لكن الجد عبد الكافى بدأ يترصد للجد عبد الحفيظ..

كانت أول مرة يرى الجد عبد الحفيظ والده عندما تسلل من بيت العائلة قبيل الفجر ليقابل هوانم ابنة تاجر البغال، التى قدر لها أن تكون زوجته لمدة أسبوع واحد وضع خلاله بذرة جدى، ثم رحل وراء حلم والده..

ثم ظهر الجد عبد الكافى لابنه مرة وهو فى الحقل.. ومرة وهو يتمشى وحيدا على حدود الخلاء.. ثم تكررت مرات الظهور.. ولا أحد فى العائلة يدرى.. لكنهم أخذوا يلاحظون التغيرات التى بدأت تطرأ على الجد عبد الحفيظ.. صمته غير المعتاد، نظراته المحدقة فى الفراغ طول الوقت.. حبسه لنفسه فى حجرته وحديثه الهامس إلى اللاشئ..

مجلس العائلة الذى اجتمع ووقف أمامه الجد عبد الحفيظ ليجيب على الأسئلة؛ لم يكن محاكمة، بقدر ما كان محاولة لمعرفة ما يحدث للشاب والسيطرة عليه قبل أن يفوت الأوان..

لم يكذب الجد عبد الحفيظ.. صارح أعمامه وأخواله وكبار العائلة بأنه يقابل والده.. يسيران معا فى الصحراء التى تقع على يسار القرية.. يتحدثان عن رحلة الجد عبد الكافى والأهوال التى قابلها ليصل إلى مرج الكحل..

كانت دهشة مجلس العائلة كبيرة.. لكن الزلزال الحقيقى الذى حدث فى القرية كلها أحدثه القرار الذى صارحهم به الجد عبد الحفيظ.. فقد أقنعه والده بالذهاب إلى مرج الكحل.. قال الأب إنه وصل بالفعل إلى المرج.. رآه رأى العين.. لكنه لم يستطع الدخول.. أخبره صوت لا يدرى مصدره أن المرج موعود لشاب نحيف كعود القصب، طويل كنخلة، عاشق للخلاء، وأن هذا الشاب من صلبه.. قال الجد عبد الكافى إنه رأى أهوالا فى العودة لا تقل عما رآه فى الذهاب، لكنه تحملها ليوصل لابنه الرسالة..

قلبه يحدثه بصدق والده.. وهو سيسير إلى قدره.. فمن يدرى.. قد يستطيع العودة ببعض خيرات مرج الكحل فتحل النعمة على القرية ويبصر العميان..

حاولوا إقناع الجد عبد الحفيظ بالعدول عن قراره.. لكنه لم يتراجع.. حتى زواجه من هوانم لم يؤثر فى تصميمه..

"لم يكن حلما فأقول إنه من الشيطان، وأننى لست نبيا لتكون أحلامى رؤى صادقة.. رأيت أبى وتحدثت معه.. مسحت دموعه بكمى.. دموع الاشتياق الذى يكابده من يقف أمام حلمه ولا يستطيع أن يلمسه.. سأحقق حلم أبى.. وأعود للقرية بما يضئ بصيرتها"..

وقفت القرية كلها على حدود الصحراء تودع الجد عبد الحفيظ.. احتضن كل فرد وقبله.. الدموع التى جرت فى تلك الساعة مازالت آثارها موجودة حتى الآن فيما أسمته القرية "بركة عبد الحفيظ".. عين ماء مالحة لا تنضب يتباركون بها.. الوحيدة التى لم تخرج لوداعه هى الجدة هوانم التى كان غضبها منه أكبر من أى شئ آخر..

ظلت حكاية الجد عبد الحفيظ ساخنة لفترة طويلة، حتى انشغلت القرية بحكايات أخرى.. لكنها لم تنسه تماما..

أما ما حدث لى فى الفترة الأخيرة فلم يكن حلما فأقول إنه من الشيطان، وأننى لست نبيا لتكون أحلامى رؤى صادقة.. كنت أتمنى أن تكون المسألة كلها أضغاث أحلام.. لكننى رأيت الجد عبد الحفيظ.. ظهر لى أكثر من مرة للحظات خاطفة.. ثم لدقائق.. كأنه كان يريد أن يطمئننى قبل أن يمكث معى مدة أطول.. ثم اختفى حتى اشتقت إليه.. فظهر لى.. وجلس معى.. حدثنى عن رحلته.. عبوره للصحراء التى بدت بلا نهاية لكنها مع ذلك انتهت.. اجتيازه للنهر المسموم.. حروبه مع وحوش خرافية.. معاونة الجد عبد الكافى له فى كل مأزق.. ثم وصوله أخيرا إلى مرج الكحل..

- بمجرد رؤيتى للمرج عرفت كم هى تافهة تلك الأهوال التى مررت بها.. إنه يستحق أن أعانى أمثالها مائة مرة.. وعندما خطوت أول خطوة فى المرج الموعود شعرت بولادتى الجديدة.. أحسست بجمال لم يكن يخطر ببالى.. طاقة حب أكبر من الوجود كله ملأتنى.. أشرت لأبى الذى كان يقف على حدود المرج تغسل وجهه دموع الفرح والشوق.. فأسرع إلىَّ.. وطئت قدماه المرج فأضاءت عيناه بسعادة، ثم فارق الحياة وعلى وجهه ابتسامة بلا مثيل.. استأذنت فى أخذ بعض الكحل لأهل قريتى.. وحصلت على الإذن بصعوبة.. حملت جرابا من الكحل.. لكن طريق العودة لم يكن سهلا.. كنت أضطر للتنازل عن بعض الكحل لأمر من مآزق كثيرة.. وأخيرا وصلت وليس معى سوى تلك الزجاجة الصغيرة.. لكن قطرة واحدة منها تكفى عشرات..

- كم من الوقت استغرقت رحلتك؟

- أياما.. ربما أسابيع.. أو شهور قليلة

- لقد مرت سنوات أكثر مما تظن.. إننى ابن حفيدك يا جدى..

- آه.. الآن فهمت كل التغيرات التى حدثت فى القرية حتى ظننت أننى دخلت قرية أخرى.. ولم يجعلنى واثقا من أنها قريتى سوى "بركة الدموع".. وملامحك التى تشبهنى..

- وماذا تريد منى؟

- سأعطيك زجاجة الكحل وأعود إلى المرج لأدفن بجوار أبى..

- وماذا أفعل بها؟

- هذه مهمتك.. مهمتى أنا تنتهى بتسليمى الزجاجة لك.. لكن ما أعلمه علم اليقين أنكم الآن بحاجة إلى هذه الزجاجة أكثر مما كنا عندما ذهبت أنا.. .. وأكثر مما كنا عندما ذهب أبى..

لم أعد أرى الجد عبد الحفيظ.. جلست فى نفس الأماكن فى الأوقات ذاتها، لكنه لم يظهر.. تأملت الزجاجة كثيرا.. درست أحوال قريتى.. فكرت كثيرا.. وتأملت أكثر.. لكننى حائر.. كيف أبدأ.. وبمن أبدأ..؟؟

Monday, October 02, 2006

النخلة

أراقبها من تحت الغطاء.. تتسلل من جانبى.. تفتح شباك الحجرة فيسقط على صدرها ضياء البدر.. تغلق الشباك بحرص.. تخلع جلابيتها السوداء.. تدعك عينيها برفق فتنفتحان.. عينان زرقاوان صافيتان.. ترتدى قميص نوم سماوى نصف كم.. تخلع طرحتها السوداء.. فينسدل فوق كتفيها شعرها الأسود طويلا ناعما.. تتحرك خارجة من الغرفة على أطراف أصابعها.. تغلق الباب خلفها.. أقوم بسرعة.. أوارب الشباك.. أتلصص عليها دون أن تلحظنى..

تقف أمام النخلتين المتعانقتين اللتين زرعهما جدى يوم زفافه.. يلقى القمر ظلها مع النخلتين على الأرض.. يتماهى ظلها فى ظل النخلة اليمنى.. أراقب شفتيها تتحركان بكلام مبتسم لا أسمعه.. ويديها تتحسسان النخلة اليسرى.. أرى الظلال تتراقص حتى تصبح ظلا واحدا.. تمر سحابة أمام القمر.. تميل على النخلة اليسرى.. تقبلها قبلة خاطفة وتجرى مسرعة إلى الحجرة.. أكون أنا مختبئ تحت الغطاء.. ترتدى جلابيتها السوداء.. تلبس الطرحة السوداء فتبين من تحتها شعرات قصيرة مقصفة بيضاء.. تنغلق عيناها فتمد يديها إلى الأمام حتى تصل إلى السرير.. تفرد جسدها عليه.. تتنهد ببسمة رضا.. تأخذنى فى حضنها وتنام.. أشم أنفاسها الفردوسية التى أحسها فى الشهر مرة.. عند اكتمال القمر..

كنت أحب مراقبة جدتى وهى تسير فى الدار الكبيرة على هدى ذاكرتها.. مشاريع كثيرة لتطوير الدار وتغيير نظام حجراتها توقفت حتى لا تؤدى لتشوش الصورة المطبوعة فى ذهن جدتى.. كانت تمارس حياتها فى الدار كأنها ترى كل شئ.. تطبخ وتغسل وتكنس مع أمى وزوجات أعمامى وأخوالى.. وعندما يطالبها أحد بأن ترتاح تبتسم وتواصل العمل.. متعتها ومتعتى كانت عندما تجلسنى على حجرها وتحكى لى عن جدى.. عن كائن أسطورى هو القوة كلها، والحنان كله، والرجولة التى بلا حدود.. تحدثنى عن النخلتين المتعانقتين وتقول:

- زرعهما جدك فى ليلة زفافنا، وساعدته.. ضحكت العائلة منا.. لكن جدك ابتسم لى وقال.. هما أنا وأنت..

سألتها عما أراه عندما يكتمل القمر.. تغيرت ملامحها.. مزيج من الغضب والخجل والحسرة والحنين.. أخذت منى وعدا بألا أبوح لأحد بما ستخبرنى به.. وكنت أعرف أننى سأفى بوعدى.. فقد اتفقنا أن تموت إذا أفشيت سرها.. وأنا لا أريدها أن تموت..

- عندما مات جدك خرجت القرية كلها خلف نعشه.. الرجال يبكون كالنساء.. والنساء يلطمن كالمجانين.. والأطفال يصرخون.. أنا الوحيدة التى لم أخرج.. جلست على الأريكة بجوار شباك الحجرة.. تابعتهم وهم يبتعدون عن ناظرى.. ورأيت جدك يفى بوعده لى.. خرج من النعش.. طار فى الهواء بغير جناحين.. أشار لى بيديه مبتسما.. ثم دخل فى النخلة اليسرى.. كانت ليلة البدر ليلة زفافنا.. وليلة رحيله عن الدنيا..

أصمت.. لا أجد ما أقوله.. ولا أرغب فى قول شئ.. تواصل حديثها..

- عندما أرحل عليك أن تجلس فى نفس المكان على نفس الأريكة.. لأننى سأسكن نخلتى بجوار جدك..

كرهت النخلة اليمنى.. وتمنيت الخلاص منها.. أخذت فأسا صغيرة وحاولت قطعها.. علمت جدتى فأسرعت إلىَّ.. أخذت منى الفأس وأنا أبكى.. قرأت آيات من القرآن الكريم وهى تملس بيدها على شعرى وصدرى..

- إذا كنت تحبنى فعليك أن تحب نخلتى

- ستأخذك هذه النخلة.. لن أدعها تأخذك

- إذا قطعت النخلة فأين أستقر بعد رحيلى.. سأظل تائهة.. ولن يكون لى مكان بجوار جدك..

ورحلت جدتى.. نفذت وصيتها.. ورأيتها وهى تلوح لى من مكان ما بالهواء.. ثم تستقر فى نخلتها.. رأيت نخلة جدى تميل على نخلة جدتى كأنها ترحب بها..

معجزة ما هى التى جعلت الجميع لا يلاحظون اختفاء النخلتين المتعانقتين بعد رحيل جدتى بأسبوع واحد.. أصبحا نخلة واحدة تلقى على الأرض ظلا واحدا عند اكتمال القمر.