Thursday, November 30, 2006

ابدا

دهمنا الليل في خطى سريعة أسرع من كل توقعاتنا, فما ان هبطت الشمس خلف الجبال حتى بدأت الظلال في التسلل من الحفر والأوكار و آخذت تغلظ حتى لفتنا في ظلام شامل. بدأ الطريق الملتوي في التراقص أمامنا على ضوء مصابيح سيارتنا , أدركنا أن علينا أن نجد مكانا نستريح فيه ونقضي ليلتنا وخاصة أن الحدود الهندية مازالت بعيدة. ولحسن الحظ بعد عشر دقائق وصلنا إلى نقطة حراسة حيث طلب منا الجنود وثائقنا.

قالوا مندهشين" فندقا؟ " و أضافوا " في هذا المكان؟"

ظهر جاويش بشارب كبير من كوخ خشبي , و اخبرنا انه بعد كيلومترين من المكان ثمة انحناءة في الطريق ستقودنا إلى قرية عبر طريق غير معبد. القرية على الجانب الآخر من الجبل , هناك علينا أن نسأل عن ديف اناند والرجل سيسعد بتوفير سقفا نبيت تحته هذه الليلة. لم نستطع أن نقرر على الفور , فقد كنا نود تجنب القيادة على طرقات صعبة . لكن عندما وصلنا للانحناءة حول فيرنر العربة في ثانية إلى طريق ضيق اخذ ينزل عبر الغابات

إلى ما بدا انه هوة لا تنتهي

عندما وصلنا إلى مبتغانا. وظهرت القرية على أضواء مصابيح السيارة امتلأنا بالخوف أن نكون قد أخطأنا الطريق أو ربما أراد الجاويش الملتحي أن يعبث على حسابنا. كانت المنازل تنمو على السفح كأنها عيش الغراب ينمو على جنب شجرة أعطتنا انطباعا بالخراب و الفراغ. لم تكن هناك أدنى إشارة لوجود بشر في هذه المنازل

عندما أوقفنا المحرك ملء الصمت المحيط صوت خرير المياه من شلال تحتنا في مكان ما.

ثم لاحظنا على ضوء مصابيح سيارتنا زوجا من الأرجل الملفوفة بالخيش. فقد انبثق شئ ما من ظلام اقرب منزل وكان قادما نحونا.شئ بشري. عندما اقترب توقف , ورأينا أمام السيارة الفان رجل رفيع كأنه كومة من عظام في منتصف العمر., يحمي عينيه بيديه, ويحمحم بصوت خافت. فتحنا الأبواب و نزلنا من السيارة.

سأل الرجل" ديف اناند؟"

قلنا نعم هذا هو مبتغانا. هل يمكنه أن يقودنا إلى منزله؟

قال وهو يربت بكفه على صدره"أنا" واضاف بسرعة" ديف اناند هو انا"

بعد قليل كنا جالسين في حجرة الجلوس عنده. نرشف الشاي , في ضوء مصباح زيتي يتراقص لهيبه ., ونحن نحاول أن نتغلب على شعورنا بالحرج. كان هناك ديف اناند الذي كان يصر على أسنانه طوال الوقت ربما اعتقادا منه أن هذا سيجعلنا نسترخي و زوجه التي أعدت الشاي والآن كانت تطبخ نوعا من اليخني على فرن مكشوف. وكان هناك أولادهم الثلاثة وكان أصغرهم في الخامسة عشر من العمر. وفتاة مكتئبة صفراوية ذات شعر اسود ناعم تجلس في ركن الحجرة و تشغل نفسها بطفل رضيع كان ملفوفا في أسمال , ويجلس في سلة كبيرة بتأملنا بمزيج من الخوف و الفضول. وكانت الفتاة, ومن الواضح أنها أم الرضيع , تنحني على السلة من وقت لآخر و كان هذا ينحني يمينا أو يسارا محاولا تجنبها ليمكنه رؤيتنا و مراقبتنا.

قبل أن نجلس لشرب الشاي أخذنا اصغر الصبية الذي كان يعرف بضعة كلمات من الإنجليزية إلى حجرة خلفية شديدة البرودة حيث أشار إلى مرتبتين عاريتين على الارض قائلا" هنا اسرة" " هنا تنامون". كنا متعبين لدرجة كنا على وشك السقوط فورا على المرتبتين لولا إحساس رهيب بالجوع كان ينتابنا. كانت الروائح القادمة من المطبخ تعد بأي شئ إلا لذائذ الطعام , لكن الجعان يحلم بسوق الخبز.

سألنا ديف اناند أن كنا في طريقنا للهند ؟ وعندما اجبنا بالإيجاب , اندلعت مناقشة عائلية حامية , لم نفهم منها كلمة واحدة . بدا لنا أن اناند وزوجته يحاولان إقناع الفتاة بشيء لا تريد أن تفعله. كانت محرجة وظلت تنظر نحونا , وتحرك كتفيها علامة الرفض , وتداعب أصابع ابنها الصغير. تحول ديف اناند نحونا وسأل سؤالا ترجمه ابنه الأصغر إلى شئ شبه مفهوم . فقد أبوه صبره أشار للفتاة أشار إلينا وقال " عربة" ولوح فيما بدا انه اتجاه الجنوب وصرخ " الهند , الهند"

فهمنا أخيرا. هل يمكن للفتاة أن تسافر معنا للهند؟

طبعا. رد فيرنر. ولوجود أربعة مسافرين ستكون الامور محبوكة شيئا ما, ولكننا نستطيع ان

نتدبر الآمر.

بعد كلماته امتلأت الحجرة المدخنة بالراحة والفرح. و ابتسمت زوجة اناند ابتسامة واسعة حتى صار بوسعنا ان نرى فمها عديم الاسنان. واسترخى الفتيان كأنما حمل ثقيل قد انزاح عن كاهلهم. إلا انه كان من الواضح أن فرح الفتاة غير صادق, فخلف القناع الشفاف لابتسامتها المزيفة كانت ملامح وجهها تشي بانقباضة القلق والخوف. رفعت طفلها من السلة و ضمته إلى صدرها و هدهدته.

غرفت زوجة اناند اليخني , وسرعان ما ظهر إنها لم تطهو ما يكفينا جميعا, فقد ترك الصبي الاصغر دون شئ في طبقه و وجه متقلص من الضيق. وعلى الفور عرضت عليه الفتاة نصيبها .فنظر الصبي إلى أبيه وعندما أومأ الأب برأسه , انقض الصبي على الطبق وبدأ يلتهم ما فيه التهاما وكأنه يخشى ان تغير الفتاة رأيها.

أكد ديف اناند وهويمسح فمه بظهر يده ويشير للفتاة"الهند" ومرة اخرى انخرطوا في محادثة طويلة ساخنة , حاول الصبي الاصغر ان يترجمها. كان طبقه قد فرغ , ويبدو ان معدته الممتلأة قد اعطت ذهنه دفعة مستحقة . فقد زادت مفرداته من الانجليزية حوالي 12 كلمة او اكثر. تريد شوكرا ان تذهب للهند وتعمل عند اسرة ميسورة

كان من الواضح ان شوكرا هي الام الشابة. فهنا لايوجد ما يمكنها عمله . كرر ديف اناند اكثر من مرة هذه القرية ميتة , لا يوجد عمل. ارضه اصغرمن ان تكفي لاطعامهم جميعا . لتذهب ابنة اخيه للهند وتعمل هناك وهم سيراعون الطفل. وهي تستطيع ان تصبر على فراقه لمدة عامين او ثلاثة اعوام.

بالطبع لا احد يجبرها على شئ , فهذا بيتها وهي على الرحب والسعة, لكن هذه ليست حياة سيدة شابة تحتاج لزوج. في هذه القرية كل الشباب اما قد تزوج او اصغر من سن الزواج. لتذهب الى الهند , هناك ستجد زوجا مناسبا, وربما تتزوج شخصا عنده بعض المال.

قاطعته زوجته بكلام طويل جعل الفتاة تزداد حرجا . هزت الاخيرة رأسها واعترضت ببعض الكلمات الساخنة.لكن خالتها رفضت كل تلك الاعتراضات. ترجم لنا الابن الاصغر.كانت شوكرا تتأهب للسفر الى الهند منذ عامين , ولكنها لم ترتحل لابعد من اطراف القرية . وكيف انها تكون شديدة الاصرار على الرحيل عندما لا تكون هناك مواصلات , ولكن عندما يعرض احدهم ان يأخذها , فورا تجد عذرا للرفض. ذات يوم كانت مصابة بصداع قاتل, وفي يوم آخر كانت قدمها تؤلمها . ثم جاء دور معدتها , وفي هذه المرة ايضا ستغير رأيها . فهي لن تغادر هذه القرية ابدا. ابدا. ستموت هنا بمفردها , دون زوج , عبء ثقيل على اقاربها.

هذا ليس صحيح . هذا ليس صحيح. ظلت شوكرا تهزرأسها وازدادت المرارة في نبرة صوتها. لقد قررت الرحيل حقا هذه المرة. وسترحل في سعادة بالغة . غدا. ضمت الطفل الى صدرها , وهدهدته برفق .ظلت تكرر : غدا غدا ........... واحسست انها تريد لو استمر الليل الى مالا نهاية.

بعد فترة تحولت الفتاة الينا ونظقت بشئ ما بدا وكأنه سؤال ملح. وبينما اخذ الابن الاصغر يقدحزنادفكره بحثا عن ترجمة , انطلق ديف اناند في شلال من الكلمات , تميزبأن كل ثالث كلمة كان ينطقها كانت الهند. كانت ايماءته تؤكد انه يعنف الفتاة. اخيرا وجد الصبي الكلمات المناسبة للترجمة. شوكرا تريد ان تعرف كم منزلا في دلهي , والاب يقول انها تسأل هذا السؤال كل مرة . كلما توقف احدهم وعرض توصيلها تبدأ في طرح اسئلة غبية مثل : كم منزلا في دلهي؟ اين سآكل ؟ كم شخصا هناك؟ اين سأنام؟ هل سأضيع؟ هل سيسخر الناس مني؟

اجبناها ان المنازل كثيرة في دلهي و كذلك البشر. لكن الجميع مشغول يحاول كسب الرزق, لا أحد عنده الوقت ليسخر من الآخرين وبالتأكيد لا داعي لهذا .بدأ ابن شوكرا الصغير في البكاء. كانت تحتضنه بعنف لدرجة انه احس بالاختناق.

في الصباح التالي ايقظنا البرد قبل الفجر. كان فيرنر يغط , وقال الآخرون انهم سيرتاحون لفترة اطول. كنت محتاجا لهواء نقي. وبينما كنت افتح الباب المطل على الحجرة الامامية , لاحظت اجسام اسرة ديف اناند . كانوا جميعا في نوم عميق الا الصبي الصغير الذي كان مستيقظا , وأخذ يحملق في من سلته.ثم استقر على ان يعطيني بسحنته احساس الخوف. ولخوفي من ان يبدأ في البكاء ويوقظ الآخرين اغلقت الباب بهدوء , وانسللت من النافذة الخلفية.

الفجر في الهيمالايا امر مميز. فالضوء لا يتسلل من خلف الجبال مثل القط , لكنه ينفجر في العالم ناثرا اشعته كأنها شظايا انفجار غير مرئي. تمشيت حتى موقف السيارة في مدخل القرية. وكان نور النهار يغمر المكان كلية. وندى الفجر يتلألأ على الحشائش في ضوء الشمس. كانت القرية فوقي , كانت تتكون من ست منازل فقط, والمبنى السابع الذي عددته كان يشبه الجرن المهدم. في هذا الركن القصي في هذه القرية كان الزمن قد توقف حقا. من هنا تبدو الهند وكأنها حلم صعب المنال. لا يبدو ان الفتاة تصدق ان مثل هذه البلد موجودة. كنت متأكدا انها ستغير رأيها هذه المرة ايضا .

كنت مخطئا.

بعد الشاي و الافطار المتواضع, أخذ فيرنر يسخن المحرك , فاندفع ديف اناند من المنزل واخذ يصرخ ويحركذراعيه بعنف قائلا شوكرا الهند شوكرا الهند.

طمأناه لن ننطلق ليس بعد. انما نحن نسخن المحركفقط, وعلى أي الاحوال نريد اولا ان ندفع ماعلينا. رفض في البداية ان يأخذ نقودا.ثم قبل بعد عناء ان يأخذ عشرين روبيةى ولم نستطع ان نقنعه ان يأخذ اكثر من ذلك.

لم يكن بوسع شوكرا ان تبعد نفسها عن طفلها. جلبت سلته الى الخارج ووضعتها على الارض . اخذت الطفل من السلة وضمته الى صدرها ووضعته لصق قلبها.بدأت في البكاء . عنفتها خالتها , وحاولت ان تأخذ الطفل منها . لكن شوكرا تخلصت من يديها , واعادت الطفل الى السلة مرة اخرى. ولفته في بطانية , وربطت البطانية بحبل. بحيث كانت رأسه الصغير فقط هي التي تطلع من السلة.

وتلى ذلك محادثة عنيفة اخرى , وفي هذه المرة كانت كل ثاني كلمة هي الهند. هل الجو بارد في الهند هل ستحتاج شوكرا الى معطف شتوي؟ قلنا نعم في يناير الجو يكون جد بارد في دلهي, وعليها بالقطع ان تأخذ معطفا شتويا.لكن شوكرا رفضت بشدة فكرت المعطف. والتقطت بحقيبتها الكتانية و هرعت للسيارة الفان. وكأنها فجأة صارت في عجلة من امرها. نظرت نظرة اخيرة لابنها اصغير ثم ركبت السيارة , ودفنت وجهها في يديها واخذت تنتظر الرحيل. وعندما تحركت السيارة لصقت وجهها بزجاجالنافذة , وذكرني النحيب الذي انبثق منها بحيوان جريح ينازع.

هدأت فقط عندما وصلنا الى قمة المنحدر , وغابت القرية عن انظارنا. عرضت عليها آنا قطعة من الحلوى . وبدون ادنى اهتمام وربما بجفاء نحت يد ها جانبا و تكورت على نفسها منزوية في ركن المقعد.

عندما وصلنا الى الطريق الرئيسي, واتجهنا جنوبا بدأت في الارتعاش وكأنها في صقيع. لكن الجو في السيارة كان دافئا. بيد ان ارتعاشاتها أخذت في الازدياد. وانهمرت الكلمات من فمها مدرارة. كان من الواضح انها تريد ان تقول لنا شيئا. ولانها كانت قد حددت ما تريد من خلال الارتعاش لم يكن من العسير تخمين ماذا تريد ان تقول. عرضت عليها آنا صوفية لكنها دفعت يدها بعيدا بجفاء شديد كما لوكانت تعرض عليها الموت مثلما فعلت من قبل مع قطعة الحلوى. استخدمت اصبعها لترسم صورة في الهواء. المعطف!! كان من الواضح انها ادركت لتوها حاجتها للمعطف الذي رفضت ان تأخذه معها , كانت تريد ايقاف اسيارة , كانت تريد النزول, كانت تريد العودة. عندما اوقف فيرنر السيارة . جاهدت لتجد مقبض الباب .ووجدته لكن , قبل ان تهرب , انحنى فيرنر ومد يده تحت مقعده, ومن هناك سحب معطفا قديما ووضعه في يدها.

لا اعتقد انه سيكون بوسعي نسيان نظرة الدهشة التي ارتسمت على وجهها عندما رأت المعطف. تحسسته وكأنها لا تصدق أنه هنا في يدها. وليس في المنزلحيث تركته عامدة متعمدة لتستطيع التحايل والعودة لجلبه ومن ثم اخبارهم اننا لم نستطع انتظارها. لقد فشلت خطتها , فقد توقعت الخالة كل هذا وحذرت نواياها وفي السر اعطت المعطف لفيرنر.

عندما ادركت اخيرا ما حدث نزلت سحابة من الجدية الحزينة على وجهها . خرجت من السيارة , ولبست معطفها

و احكمت اغلاق ازراره في بطء واستدارت وفي خطوات بطيئة محسوبة عادت على نفس الطريق الذي اتينا منه. ابدا. تذكرت كلمات زوجة اناند. ابدا لن تترك القرية. ابدا...


Monday, November 27, 2006










ثمن الكوثر

قابلته في حجرة الانتظار في عيادة الدكتور غاندي ,كان من الواضح انه متلهف على الكلام. قدم نفسه " أنتوني , دارس للحياة". ثم اردف "انا اعرف الدكتور غاندي جيدا , فتلك هي زيارتي الثالثة للعيادة"

كانت اولى زياراته من اجل السؤال عن مفاصله التي كانت تؤلمه وتتعبه, وكان هذا من اسبوع. طمأنه الطبيب :لا انك لا تعاني من الملاريا, ولكنه مرض بكتيري" ثم وصف له مضادا حيويا وطلب منه العودة للاستشارة!

لكن الاعراض اختفت في الصباح التالي , ولذا قرر انتوني الا يعود للطبيب. ثم عاد وغير رأيه, كان ينوي القيام برحلة طويلة في اعماق شبه القارة الهندية ويحتاج ان يرتاح باله من ناحية صحته. في زيارته الثانية انخرط في محادثة مطولة مع عجوز هندي قال له انه يعاني من متاعب مع رجليه " ترفضان اداء واجبهما . لقد تخليتا عني" بجوار العجوز ,جلست حفيدته كاميلا, فاتنة طويلة رشيقة ذات شعر اسود غزير ناعم معقود و منسدل على ظهرها. كانت هناك مسحة غجرية على ملامحها- رغم عينيها الزرقاوين كسماء صافية. لم يكن انتوني قد رأى هندية زرقاء العينين من قبل. واحس بدفقة من المشاعر الغريبة تجتاحه.

قاس الدكتور غاندي حرارته وجس مفاصله و استمع بالسماعة الطبية لاعضاء متعددة في جسده. ثم قال " حسنا انا اعلن انك سليم مائة في المائة "

في طريقه للخارج توقف انتوني في حجرة الانتظار ليودع الهندي العجوز.شد الاخير على بده قائلا"هل انت ذاهب الى وسط بومباي ؟" هز انتوني رأسه ان نعم .

ضغط الرجل على يده متسائلا" وهل تنوي ان تستقل سيارة اجرة؟" هز انتوني راسه مرة أخرى. توسل اليه الرجل وهو يحتضن يده" هل يمكن ان تسدي لي خدمة كبرى؟" كانت حفيدته التي تنتظر معه قد تأخرت على مدرسة الرقص التي تذهب اليها يوميا, فهل يمكن ان بوصلها معه لوسط بومباي ؟

هنا رد انتوني بحماس " طبعا!!!" كان يحاول ان يخفي هذا الحماس الشديد.شكره العجوز بامتنان شديد وشد على يديه بشدة حتى ان كاميلا احست بالحرج وهرعت للباب وكأنها تود لو انشقت الارض وابتلعتها. وسرعان ماتبعها انتوني, الذي لم يكن يريد ان يفقدها, وكلمات الرجل ترن في أذنه" شكرا, شكرا جزيلا, اكرمك الباري "

في سيارة الاجرة احس انتوني بالاحراج الشديد. واحس لبرهة انه ملتهب , ثم احس انه مثلج. كان اول ما جال بخاطره ان الدكتور غاندي قد اخطأ و ان المرض البكتيري قد اعد العدة لهجمة جديدة . وبعد فترة ادرك ان تعاقب الاحداث عليه سببه وجود كاميلا زرقاء العينين بجواره. كانت تجلس الى جانبه على المقعد الخلفي لسيارة الاجرة ,وتنظر للناس في الشوارع بلا مبالة . وكانت تضع يديها على حجرها في استرخاء شديد. ووجد انتوني انه من الصعب جدا الا يختلس النظر لاصابعها الرشيقة ورسغها المدملج.

منذ قدومه للهند وهناك تلات اشياء تشغل باله وتخلب لبه وتملأ فكره وهي العمارة واليوجاوالتماثيل القديمة. ونظرا لجمال الفتيات الهنديات الخلاب فقد قوى لديه الاعتقاد بان عليه ان يطرحهم خارج دائرة اهتمامه. وربما من الافضل ان يخرجهم من عقله تماما. فقد كان يعرف العادات الهندية وكان يدرك ان فرصة اقامة علاقة جنسية عابرة في هذه البلاد الساحرةهي امر شبه مستحيل.

ولانه كان يعرف انه لا يستطيع ان يلمس الفتيات او يفكر في لمسهن حتى, بدء يرى جمالهن باردا وليس عمليا, وكأنهن قددن من صخر, مثل تلك النقوش الحجرية الجنسية المثيرة المذهلة في خاجوراهو(1) . لقد ارتبط الحب عنده بالدفء و الحنان والنعومة. إنه شيء ملموس وفعلي وتفاعلي. لذا وفي اقل من لمح البصر اختفت الجميلات الهنديات من الوجود وصرن مجرد زينة و حلية.

ولكن الجلوس بجانب الجميلة الصامتة على المقعد الخلفي في سيارة الاجرة الفاخرة جعل انتوني يحس من جديد ان الزينة المزعومة ليست من صخر على الاطلاق. وانما على العكس تماما نابضة بالحياة والاثارة! وبعد مسافة وجد انتوني طريقة لفتح حوار مع الجميلة. فسألها هل تتعلم الرقص من اجل ان تصير راقصة محترفة؟

هزت كاميلا رأسها أن نعم لكنها لم تنظر في اتجاهه.

أصر " أين المدرسة؟"

ظلت على صمتها لفترة طويلة. وبينما كان انتوني يأخذ نفسا عميقا ليؤهل نفسه لتكرار السؤال, استدارت فجأة ونظرت له بتمعن,وهي تفتح فمها بما يكفي كي تكشف عن صفين من الاسنان اللؤلؤية المذهلة وتقول"بالقرب من فندق تاج محل"

قال انتوني في فرح" يالها من صدفة غريبة هذا هو الفندق الذي اسكن فيه"

لم يكن هذا حقيقيا كان ينزل في بيت الشباب الخاص بجمعية الشبان المسيحية في احد الأزقة الضيقة خلف الفندق الفخم.بالطبع لم يكن بوسعه ان يدفع ثمن غرفة في اغلى وأفخم فنادق بومباي. لكن لا ضرر في ان يقول ماقاله و ما المانع أن يحاول التأثير فيها ولو قلبلا؟

ابدت اعجابها الصريح وتساءلت مندهشة" حقا؟ هذا هوالفندق الذي تنزل فيه؟"

أمر انتوني السائق بالتوقف امام فندق تاج محل ونقده أجره. نزلت كاميلا وشكرته على توصيلها. ولخوفه من ان تذهب الجميلة وتختفي للابد حاول انتوني أن يقول شيئا ليستبقيها معه ولو للحظة اخرى, لكن القريحة لم تسعفه الا بكل ما هوتافه وسخيف.

وأتته النجدة من حيث لايتوقع فقد قالت كاميلا متعجبة" هذا المكان قصر وليس مجرد فندق!!!"

أنتهز انتوني الفرصة السانحة وعض عليها بنواجذه" هل سبق لك ان زرت..."

قاطعته في حسرة واسى "انا ,ماذا يمكن لفتاة فقيرة مثلي ان تفعل في مكان مثل هذا"

قرر انتوني ان يختصر الطريق "هناك بار ومطعم و محلات , كلها اماكن مثيرة للغاية, هل تحبين.."

فالت "نعم" وبكل بساطة اتجهت نحو المدخل.

لم يكن انتوني يصدق ما يحدث , فبالقرب منه لدرجة تسمح له بأن يشم عبيرها كانت تسير فتاة هندية , تلك الفاكهة المحرمة التي لم يكن يفكر قط في الاقتراب منها لتأكده انه لن ينالها!

كانت الفتاة تتصرف كما لو كانت قد اسلمت نفسها تماما لقيادته.وبعد ان القيا نظرة سريعة على بعض المحلات في الفندق,جلسا معا في البار وسمحت له ان يطلب لهامشروب جين وتونيك.

سأل وهو يتصنع الحرص والاهتمام" ماذا عن مدرسة الرقص؟"

لوحت بيدها " لا تهتم يمكنني التأخر" ثم سألته لماذا قدم للهند؟ كان السؤال غريبا وكانه اتى من اللامكان ولكنه اعطاه فرصة جديدة للتأثير فيها وإعطائها اإنطباعا عن اهميته.

قال "انا رسام مشهور" و استمر متصنعا اللامبالاة" لقد اتيت للهند بحثا عن افكار جديدة"

(حسنا, ثمة بضعة سكتشات غير كاملةفي حقيبة صغيرة في حجرته في بيت شباب جمعية الشبان المسيحية, خطايا اقترفها عندما كان في زيارة خاجوراهو)

وأردف متصنعا الاهمية " إن مايثيرني حقا هو الصور الجنسية الهندية " وتابع" لذا تجدينني انسخ الكثير. اريد ان اسمو بعملي لمرتبة جديدة. اريد ان اجد اسلوبا مختلفا"

سألت "هل انت فنان حقيقي؟ رسام جيد؟"

فجأة احس انتوني انه لايجدف ضد التيار وانما التيار يحمله معه. قال" لو اردت يمكنني ان اجعلك تشاهدين لوحاتي الاخيرة , ولتحكمي بنفسك"

بالطبع وافقت كاميلا انها تود لو رأت تلك اللوحات ثم قالت بحسم إن عليه الا يتوقع اية مجاملة منها , فستخبره برأيها في لوحاته دون رتوش او تجميل!

انخرط انتوني في حديث مفاده انه لا يستطيع ان يجلب الرسوم للبار لانه جد مزدحم . ثم انتظر لحظة ليرى تأثير هذا الكلام وبعدئذ قال " ربما يمكنك الصعود لحجرتي ومشاهدة اللوحات هناك؟"

ضحكت متعجبة من سؤاله "بالطبع في اي مكان"

قام قائلا"حسنا دعيني احضر مفتاح الغرفة" و انطلق وهو يقول " لن يستغرق الامر دقيقة"

أسرع الى الاستقبال حيث عرف ان الغرف الخالية المتاحة هي الاجنحة الملكية والتي تكلف 200 دولار في الليلة وتدفع مقدما. احس باسنانه تصطك وركبتيه تتخاذلان ولم يعرف اين يختبيء ليداري خيبته. تماسك انتوني واخرج ماتبقى معه من شيكات سياحية ( وفكر , حسنا سأجوع لمدة شهر وماذا في هذا؟)

واسرع والمفتاح في جيبه ,متجاهلا نظرة الدهشة التي ارتسمت على وجه موظف الاستقبال, خارجا الى الشارع. قفز متجاوزا الرصيف وعدا عبر الطريق وانطلق

الى مدخل بيت الشباب. حيث تجاوزه وأخذ يقفز السلالم الى الطابق الثاني , ثم اندفع لحجرته وجذب حقيبته. ثم انطلق كرصاصة خارجا من الحجرة الى الشارع الى فندق تاج محل.

وكم كانت فرحته عندما وجد كاميلا ماتزال جالسة في انتظاره- لقد غاب حوالي عشر دقائق , وكي لا تمل من الانتظار طلبت قطعتين من الحلوى الغالية وآيس كريم ضخم , وطبعا كان عليه ان يحاسب. المهم انها كانت راضية وسعيدة.

اعتذر " آسف, انه عامل الاستقبال لقد وضع المفتاح في مكان غير مكانه "

وقفت مبتسمة وقالت"لنذهب"

عبرت عن اعجابها بالجناح الملكي ولكنها لم تنذهل من فخامته. إما أنها ارادت الا تظهر اندهاشا يخرج عن حدود الادب المتوقع من امثاله او انها قداعتادت على ارتياد الاجنحة الملكية . كما لم تبد ادنى دهشة من ان كل امتعته هي هذه الحقيبة الصغيرة.

فتح انتوني الحقيبة , واخذ يبحث بين اسكتشاته و اختار اكثرها جرأة وهو نسخة لواجهة احد معابد خاجوراهو تمثل وضعا جنسيا مثيرالرجل وامرأة يمارسان الحب. كانت يداه ترتجفان, وكانت راحتاه مبتلتين. وبصعوبة بالغة و جرأة بطولية وضع الاسكتش في حجر كاميلا.

"آه" ابدت دهشتها" لقد ابدعت في هذا حقا"

ظلت نبرة صوتها عادية كما لو كانت تنظر الى لوحة لحمامتين تتناغيان.تنفس انتوني الصعداء . لا أنها تشاهد شيئا اجمل, شيئا اعظم, شيئا ساميا متعاليا قويا ولا ينسى!!

كان جالسا بجانبها على الاريكة وبدأ في الكلام. كانت الكلمات تنصب انصبابا من فمه كما لو انه كان يخشى ان يتبخر موضوع رغبته قبل ان تتاح له الفرصة ولو لمجرد لمسه.تحدث عن الفن , وكيف يود لو امسك بروح الجمال الكامنة في هذه التماثيل الجنسية المثيرة.كيف انه يعتقد ان قدماء الهنود قد اكتشفوا اقصر الطرق للوصول للاله حيث تكون لحظة الوصول تلك التي يخبرها الرجل والمرأة معا هي لحظة الامتزاج بالقوى الكونية الكلية, أنها لحظة دخول الاثنين معا وتحولهما لواحد, لحظةفعل الحب -في هذه اللحظة يصير العاشقان اكثر من مجرد كائنين فانيين , قد يصيرا شيطانان مريدان أو ربما ملاكان طاهران. وقال ايضا ان الطريق لهذه اللحظة الخالدة يمر عبر النشوة الجنسية , عبر نار الحب حيث لا معنى للانا ولكن فقط عطاء بلاحدود.

تلك هي النشوة التي حاول الهنود القدماء اقتناصها عبرفن اليوجا الجنسي(2), وهو فن الحب الذي يتطلب الكثير من الصبر, وعلى المرء ان يتحكم في القذف ويمنع نفسه من الوصول للذروة بلا حد اقصى ربما لساعة او لساعتين او لثلاث ساعات , بينما يحاول العاشقان ان يدخلا في روح بعضهما عبر تبادل النظرات والقبلات والمداعبات بلا ادنى تحفظ او خوف اوحرج اوشك!!!

وهكذا يتسامى الحبيبان درجة فدرجة الى ان يصلا لقمة التل التي وصفها ابولونير(3)في احدى قصائده قائلا" تعالى الى الحافة . أنها شديدة الارتفاع. تعالى الى القمة . سأسقط. تعالى الى الحافة . واتت . ودفعها فطارت!!!"

وعلى قمة هذه الربوة او التل يحقق العاشقان الالتحام والتوحد و يجربا شيئا ليس روحانيا ولا هو جسديا- شيئا لا يمكن تحقيقه ولو حتى استخدمنا اشد عقاقير الهلوسة تأثيرا......

وضعت كاميلا سبابتها على شفتي انتوني , ارادت ايقاف شلال الكلام.لكن كان لديه الكثير مما يود لو قاله لها: كيف عرف الهنود القدماء سر السعادة الذي يجهله تماما اليوم كل طلاب المتعة الزائلة, وكيف وصف الصوفي الهندي الكبير راداكريشنان هذه السعادة قائلا ان ثمة سلام عجيب يهبط على روحك وتحس بالادراك التام للعالم . و يخلق وجود الآخر الحميمي حالة من النشوة تتجاوز اللذة الخالصة, فمعها نصل لمعرفة اعمق من العقل والمنطق , وبها حس اعلى من الشعر, وسلام لا نهائي و تناغم.....

كان يريد ان يقول لها هذا واكثر منه بكثير. لكن كل هذا و اكثر منه بكثير جدا مر فقط في ذهنه وهو يشاهد كاميلا تحل عقدة الساري الذي ترتديه. وظهرت امام عينيه عارية ملساء , طرية , مضيئة واكثر نعومة مما كان يتخيل. ثم أخذت تنضو ملابسه عنه وهومستسلم لها. دعته لحافة التل و كانت عالية جدا وشديدة الارتفاع, واحس بالخوف .فقالت له تعالى لاتخف . واتى , ودفعته, وطار!!!

وبعد برهة استيقظ على صوتها الموسيقي يسأله: اين يضع نقوده؟

كانت قد انتهت من وضع الساري على جسدها وعقدت شعرها في انشوطة خلف ظهرها.

رد ستجدين محفظتي في جيب السروال.كان شديد التعب فلم يعر كلماتها ادنى انتباه

اقتربت منه وهي تحمل المحفظة وتعدالنقود وهي تقول"200روبية "ووضعت النقود في طيات الساري واتجهت نحو الباب

صرخ مندهشا"200 روبية لماذا؟"

سالته " الم يخبرك جدي هذا هو سعري الادنى" كان من الواضح انه قد اهانها!!!

ختم انتوني قصته قائلا" على اية حال كانت شديدة الكرم معي رغم اهانتي لها بسؤالي الاخير. لقد اعطتني اكثر من قيمة نقودي . وهذا هوسبب زيارتي الثالثة للدكتور غاندي وجلوسي في حجرة الانتظار هذه"

---------------------------------------

(1)خاجوراهو: بلدة في وسط الهند بها اطلال معابد كانت مكرسة لعبادة شيفا كبير الالهة في ديانة الهندوس وعلى واجهات المعابد حفر لاشكال واوضاع جنسية متعددة.

(2) اليوجا الجنسية:فن ممارسة الجنس عند قدماء الهنود من اجل تحقيق التسامي الروحي

(3) جيوم ابولينير: 1880-1918شاعر فرنسي كبير من شعراء القرن العشرين ومن مؤسسي السريالية و الطليعية.

Wednesday, November 22, 2006







فن

كانت اول مرة نراهما فيها عندما التقيناهما في حجرة الطعام بالفندق, حيث كان وجهاهما ممتعضان وهما يتفحصان الطعام في طبقيهما, ويستكشفان في ريبة حواف الاكواب التي جلب لهما النادل فيها ماء مقطر.كانا في منتصف العمر., وكانت اميل للسمنة , بينما كان هو مثل البوصة . وكان شاحبا كعادة الانجليز. كانا يعاملان العاملين في الفندق بأدب ولكن ببرود وبطريقة شبه ابوية. ولاننا كنا النزلاء الاجانب الوحيدين سرعان ما تجاذبنا اطراف الحديث. قدما نفسيهما : جون وجنيفر. كانا قد قدما للهند في اجازة , وامضيا بضعة ايام في بومباي , ولم يحباها, ثم ايام أخرى في بونا , في مكان اكثر رداءة من المكان الاول. وكانا يزمعان قضاء الايام السبعة المتبقية لهما في جوا . وهنا على الاقل يمكنهما الاستمتاع , او هكذا قيل لهما.

لكن مرة اخرى يبدو ان الامور لم تكن كما سمعا. فقد وجدا الطعام غير مستساغ, والشمس نار موقدة, و المحيط خطر لا يمكن السباحة فيه, ولا توجد وسائل ترفيه . ولذا كانا يمضيان معظم وقت ما بعد الظهيرة على شرفة الفندق , وهم يجلسون على طاولة بلاستيكية تحت شمسية من القماش.هو مستغرق في جريدة,. هي تتطلع بمرارة للافق البعيد. بين الفينة والاخرى كان يلقي بالجريدة جانبا , ثم يستعيدها ويفتح صفحة جديدة. وهي كانت تنظف حافة الكوب باصبعها ثم ترشف رشفة من عصير الليمون.وكنا نجلس معهم عادة انا وزوجتي بعد ان ناخذ قسطا من السباحة و نتمشى قليلا. لكن لم نكن نتحدث كثيرا. فكل ماكان يهم جون هوسعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الروبية الهندية وهو ما كان يخبرني به يوميا. وكانت جنيفر غير مهتمة بأي شئ على الاطلاق. وهكذا كرت الايام على نفس المنوال. حتى وصلت تيا وليا, اتيتا مشيا على الشاطئ ذات صباح , مثلما مهرتين من خيل الغجر. حافيتان , تنوراتاهما الطويلتان زاهيتا الالوان تعتنقان عجيزتيهما المترجرجتين , وشعرهما الطويل الثقيل الاشقر يتأرجح امام اعينهما فتدفعاه بعيدا لتعيده الريح القادمة من جهة البحر لسيرته الاولى امام وجهيهما.كانت احداهما تحمل سلة في ذراعها ,بينما ما فتئت رفيقتها تحاول الوصول لنقطة في ظهرها من فوق كتفها كي تحكها وكأنما قد ابتليت بداء الحكة الشديد. من بعيد بديتا وكأنهما اختان . وربما توأمان حتى. ولكن عندما اقتربتا اختفى التشابه, كانت انف احدهما حادة و مدببة و كانت الاخرى ذات انف ودودة جميلة.كانت احدهما تنظراليك من تحت جفونها وكأنها عرسة مندهشة, والاخرى تومض بعينيها في كل مكان وكأنما تقول انها تعتبر العالم كله ملك خاص لها. كل شئ من البحر, الى الشاطئ ,الى النخيل, الى المنازل ,تحت النخيل, الى القرية كلها , الى جوا كلها , الى الهند بأكملها , الى العالم بأسره.

عندما مرتا بالشرفة ترددتا , ونظرتا الينا, وتبادلتا بضع كلمات . انتابني احساس ان الفتاة التي تحمل السلة تحاول اقناع الاخرى ذات عيني العرسة بشئ , وان الاخيرة غير متحمسة لهذا الاقتراح. بدت غير قادرة على اتخاذ قرار, ظلت تعبث في الرمل بقدمها اليسرى , بينما ما انفكت تحاول حك ظهرها من فوق كتفها. في النهاية اومأت برأسها ان نعم , وسارت لا تلوي على شئ نحو القرية , بينما اقتربت الاخرى حاملة السلة من شرفة الفندق. وضعت السلة على الارض ودون كلمة واحدة اراحت نفسها على كرسي خال على طاولتنا . دفعت بقدمها اليمنى تحت فخذها الايسر , وضغطت باصابع قدمها اليسرى على الارضية الاسمنتية , وهي تؤرجح رجلها جيئة وذهابا., وتبتلعنا في زرقة عينيها الصافية. مرت دقيقة كاملة قبل ان تقول بانجليزية تشوبها لكنة سكندنافية" مساء الخير".

ابتسمنا انا وزوجتي " مساء الخير".غمغم جون بشئ ما وهو يتصفح جريدته.بينما ظلت جنيفر على صمتها. دفعت الفتاة شفتها السفلى الى الامام , نفخت خصلة شعرها المزعجة من امام عينيها , ونظرت الي اولا ثم الى زوجتي, وكأنها تقول ماذا تفعلان مع هذين بحق السماء؟ ادركت من هذه المحاولة المكشوفة لتقسيمنا وتحويلي وزوجتي الى حلفاء لها انها لم تنضم الينا لمجرد الدردشة.قالت بصوت بدا وكأنه يحمل في طياته سرا خطيرا " اسمي تيا" قلنا جميل وقدمنا انفسنا انا و زوجتي. غمغم جون بشئ ما ولم تتفوه جنيفر بكلمة. ولم استطع الا الاحظ ان عينيها قد قامتا بمسح سريع لرجلي تيا الرائعتين البرونزيتين. وعندما عاودت التحديق في الافق كانت نظرتها محملة بالمرارة. انحت تيا على سلتها و كشفت عن مجموعة من التماثيل الخشبية الهندية. وانتقت من بينها تمثالا من خشب الصندل للاله جانيشا صاحب رأس الفيل ووضعته على الطاولة امامنا. ثم نظرت لكل منا على حدة وتفرست فينا وكأن عينيها تقولان تمعنوا في هذا جيدا , اليس جميلا , اليس هذا هو ما كنتم تبحثون عنه طوال حياتكم , وكنتم على وشك التخلي عن هذا الحلم يأسا؟

تبادلت النظرات مع زوجتي , كانت حقائبنا تحتوي على تمثال شبيه بهذا . لكن بائعي هذه القطع الفنية كانوا عادة من الوطنيين المعدمين , وكانت تلك هي المرة الاولى حيث احدهم له بشرة بيضاء, عينين زرقاوين , وصدر نصف مكشوف. ولذا لم يكن من السهل علينا ان نقول لا التي اعتدنا عليها, شكرا مرة اخرى. حل جون كل مشاكلنا فقد رفع التمثال الصغير , واخذ يقلبه ناظرا اليه من كل الجوانب و بحرص شديد اعاده الى الطاولة , ودون ان يقول كلمة واحدة عاد للتحديق في اسعار الصرف في الجريدة. وكان من الواضح ان جنيفر قد رضت عن رد فعله فقد رشفت رشفة من الليمون و عادت للحملقة في البحر.

" حسنا "قالت تيا" بوسعي ان اشم الحماس قبل ان اراه, ولأن انفي لم تخذلني قط , دعونا نجرب شيئا آخر" جذبت من سلتها تمثالا سئ النحت لناتاراجا وهو تجسيد الاله الهندي شيفا بوصفه الراقص الاعظم. وضعته بحرص على الطاولة, واعطت كل واحد منا نظرة متفحصة اخرى بعينيها.حسنا, كانت العينان تقولان, جميل اليس هذا شئ لا يمكن مقاومته؟ لم تكن سيئة الاداء على الاطلاق, بل كانت تجيد ما تفعله, كانت تتحرك بنظراتها على لوحة مفاتيح الغواية بمهارة عازف البيانو المتمكن . ايضا لم تحتاج لوقت طويل , لتدرك انها لن تبيع شيئا , واننا, او على الاقل زوجتي وانا , نجدها اكثر اثارة للاهتمام من بضاعتها.

قالت وهي تلقي بالتمثال في سلتها وتغطيه بالفوطة"جميل". ثم نظرت للمحيط وكان ثمة شئ من خيبة الامل في نظرتها, لقد ذهبت كل جهودها سدى. فجأة , وكأنها تذكرت شيئا ما , نظرت الي وقالت" ماذا عن رسوم تبتية قديمة, هل يهمك هذا؟"

اعترفت ان هذا ان امر مختلف تماما, لو كان لديها بعض منها , فبالتأكيد لن امانع في القاء نظرة عليها.اظهرت حماسة اكثر ممايستحق الامر , لانني كنت مقتنع انه لا يوجد لديها شئ. لكنها قالت ان لديها الكثير, لكنها لا تحمل أي شئ معها الآن. قالت"هناك" وهي تشير بأصبعها في اتجاه الشمال على الشاطئ." هناك على سفح التل, في كوخنا. هناك احتفظ بها. لماذا لاتأتون في آخر النهار بعد ان تخفت حرارة الشمس؟"

بنفاذ صبر حرك جون جريدته وقال نعم نعم نعم في آخر النهار. انسلت تيا من الكرسي, والتقطت سلتها, نفخت الخصلة المزعجة بعيدا عن عينيها, و غادرتنا. لاحظت ان جون , المختفي خلف جريدته, كان يتابع بشغف حركات عجيزتها الرجراجة حتى اختفت تحت السلالم. وعندما عاودت الظهور على الشاطئ. القت بنظرة اخيرة علينا وصرخت" لا تنسوا , في آخر النهار" ثمتابعت طريقها,واخذت تتلاشى حتى اختفت وابتلعتها المسافة.

وفي الواقع لا ادري لماذا قمنا نحن الاربعة بعد الغداء لنتمشى على الشاطئ. ربما كان هذا بسبب انه بعد ايام متواصلة من السباحة (في حالتي و زوجتي) والجلوس في الشرفة ( في حالة جون وجنيفر) كنا قد اقتربنا بشكل جد خطر من الملل.كنا نتطلع لريح طازجة منعشة تحمل الينا الجديد. او ربما اردنا ببساطة ان نرى ماذا قصدت تيا عندما قالت كوخنا. كوخ من؟ بالنسبة للرسوم التبتية لم يكن لدينا ادنى وهم بخصوص هذا الموضوع, لوكانت حقيقة اصلية فأن ميزانيتنا لا تتحمل حتى نصف واحدة.وقد اعترف جون بوضوح انه لا يهتم البتة بهذه الاشياء, وانه قد خرج يتمشى لانه يبحث عن شيئا يفعله. و التزمت جنيفر الصمت كعادتها.

وهكذا خرجنا في شدة القيظ نتمشى تحت الشمس المحرقة على الشاطئ الواسع وهدفنا التل المخضوضر في نهايته. كان الكوخ يقف بين اشجار النخيل على سفح هذا التل. كانت جدرانه من الطين, بلا نوافذ. ومغطى بجريد النخل وسعفه.له فجوة تقوم مقام الباب., تخرج منها رائحة مقلقة هي مزيج من رائحة البخور الكثيف والهواء العطن.ولو لم ار غير بعيد عنه قمصان وتنورات تركت لتجف على النجيل لظننت انه مهجور لا يقطنه احد.

من مكان ما جلبت الريح صرخة انثوية غير واضحة, ثم تلتها اخرى اكثر وضوحا . و لاحظنا في الامواج البعيدة العالية التي تتحول الى زبد في شمس الظهيرة الحارقة , رؤوسا طالعة لاربع سباحين, وبجانب احدها ابنثق ذراع من الماء ولوح لنا. ثم انبتت الرؤوس الاخرى اذرع مماثلة ثم ظهرت جذوع اجساد واخيرا ارجل وبدأ السباحون الاربعة يعدون نحو الشاطئ . كانت جنيفر متعبة جدا من اثر الشمس حتى انها اضطرت للجلوس في ظل نخلة, ومن ثم عجزت عن رؤية ما خرج من الماء.

خرج من الماء اربعة اجسام عارية , برونزية من اثار الشمس , رشيقة , ناعمة تلمع تحت الشمس : تيا وليا ورفيقان من الذكور لا تزيد اعمارهم عن 25 عام . صرخت تيا " هاي" ولوحت بذراعها مرة اخرى , وانحدر الاربعة نحونا. اخذت جون حالة مفاجئة من القلق , وتحرك صوب جنيفر وكأنه يريد ان يحميها من خطر محدق.ثم ادرك عبث نواياه فأستدار في حالة من الحرج الحاد, وكأنه مازال يأمل في ان يكون مارآه لتوه مجرد سراب. لكن السابحين العراة كانوا قد اقتربوا جدا منا حتى صار بوسعنا ان نشم رائحة الطزاجة ممزوجة بملح البحر..قالت تيا وهي تهز شعرها المبلل " انا سعيدة لانكم اتيتم" تابعت هز شعرها المتموج , واردفت " ليا ستجلب الرسوم".

عندما تحركت الفتاة صاحبة العيون التي تشابه عيون العرسة نحو الكوخ, لاحظنا ان جنيفر قد حولت ظهرها نحونا , آملة في ان يضع العراة ملابسهم.حتى يمكنها ان تدير رأسها وتلاحظهم بالصدفة.كان جون محمر الوجه خجلا وكأنه تلميذ, محاولا ان يدعي ان ابطه يأكله وأنه يكرس كل جهده لحكه. ولم يفلح في هذا على الاطلاق حيث كان جسد تيا الرشيق بمثابة مغناطيس يجذب عينيه مهما حاول ان يدفنهما في ابطه.

عادت ليا ومعها لفة من الرسوم. جلسنا واقعينا و انحينا على الرمل وأخذنا في تفحصهم. فجأة صار جون شديد الحماسة , وأخذ يتحسس ملمس اللفافة و يرفع الرسوم في الشمس ليتفحصها واحدة واحدة بشكل افضل. اوكأنه يلتصق بهم للنجاة بحياته من الغرق في هذا البحر الجاسم خلفنا . البحر المخادع الذي جذبه من على الشاطئ و دفعه في اعماق هوة مظلمة لا قبل له بها. ذهبت ليا الى جنيفر ودعتها الى الانضمام الينا, والآن لم يعد بوسع المرأة الانجليزية الغلبانة ادعاء انها لا ترانا ولم تر العراة, وقفت توجهت نحونا في خطوات مترنحة وكأنها تعاني من مرض عضال يوشك أن يقضي عليها, كانت مستدمجة في ذاتها باردة الى حد العدائية.

دفع زوجها احدى اللفافات لى يدها المرتعشة قائلا " انظري الى هذا" واخترع كذبة كي يستمر قائلا" لقد رأينا شيئا مثل هذا , انا متأكد أنك تتذكرين . في بومباي, الا تتذكرين, عندما قال البائع ان تلك القطعة الفنية مباعة للاسف, هذه القطعة تماثل تلك تماما اليس كذلك؟" وفجأة لصقت زوجته عينيها الى اللفافة وكأنها هي الاخرى قد اكتشفت شيئا ما كانت تبحث عنه طوال حياتهاو امنت على ما قال " نعم نعم تماثلها تماما"

كنا منحنين مقعيين جالسين في دائرة حول الرسوم , العراة الاربعة في منتهى الاسترخاء , مرتكزين على اكواعهم, ارجلهم مفتوحة وكأن لا شئ يخفونه بينها ,فهي اجزاء من اجسادهم كأي اجزاء اخرى. كانوا سعداء جدا من الاهتمام الكاذب الذي ابداه الزوج الانجليزي. لاحظت ان اهتمام الزوجين لم يكن مركزا تماما على الرسوم . فبينما هم يقلبونها ذات اليمين وذات اليسار ويتبادلونها للتعليق عليها , كانت اعينهم تتوقف للحظة قصيرة خاطفة على احد الاعضاء التناسلية المعروضة وكأن الامر من قبيل الصدفة. ولم يغب عن ناظري ايضا ان العراة الاربعة كانوا يتبادلون نظرات ذات معنى بين الفينة والاخرى.

وفجأة اتضح لي لماذا دعتنا تيا لكوخهم , ولماذا خرج الاربعة عراة تماما من الماء, ولماذا كانوا يعرضون انفسهم دون ادنى خجل بهذا الشكل., ولذا لم ادهش عندما دفع جون وجنيفر دون حتى محاولة الفصال مبلغ 200 دولار مقابل احد الرسوم. أخيرا قالا " قيظ شديد" ودون كلمة اخرى حمل اللفافة تحت ابطه وعادا ادراجهما الى الفندق.

في المساء لم ينضما الى مائدتنا على العشاء كما اعتادا منذ التقينا وتعارفنا, انما جلسا بالقرب من الباب , اعطيا ظهريهما لنا.وفي الصباح التالي لم يظهرا على الشرفة, وللحق كنت اجد رد فعلهما مبالغا فيه بعض الشئ. فلم اكن افهم لماذا تسبب عورة اربع سباحين احراجا لنا؟ في نفس الوقت احسست انا و زوجتي ان شئ قدحدث امام هذا الكوخ. لم يكن بوسعنا ان نتذكر اية تفصيلة مرسومة على اللفافات التي اوليناها كل هذا الاهتمام. فثمة 4 عانات شمالية مغرية كانت تخترق اللفافات و تقتحم اعيننا.

عند الظهيرة كنت اجلس على الشرفة وادرت كرسي بعيدا عن البحر كي اتجنب مواجهة الشمس المباشرة , فلاحظت جون في شرفة حجرته. كان ملفوفا في فوطة كبيرة , عاريا من أي شيئا عداها, كان مستندا على الشرفة محدقا في البحر , مسترخيا بشكل غير معتاد وبدا عليه الشباب بشكل غريب. كان من الواضح انه قد استحم منذ قليل بعد عودته من السباحة في البحرلان شعره كان مبللا وممشطا بنعومة من الامام للخلف.

في المساء عندما كنت اجلس مع زوجتيفي شرفة حجرتنا ., رأينا الملاك الفخورين للرسم التبتي عائدين من الشاطئ متشابكي الايدي وكأنهما عاشقين شابين. قبل ان يدخلوا الفندق همس بشئ في اذنها , فضحكت ضحكة صافية خالصة منفتحة.هل هي حقا تلك السيدة متوسطة العمر التي لا تكف عن التذمر التي التقيناها من قبل؟

في اليوم التالي , على الغداء , اسر الينا النادل انه رأى السيد والسيدة وهو في طريقه الى العمل على الشاطئ خلف القرية مختفيان خلف قارب صيد يأخذان حمام شمس وهما عاريان!!!

غادرانا دون ان يقولوا وداعا ونسيا ان يأخذا الرسم التبتي . جلبه عامل التنظيف الذي وجده في حجرتهما الينا في الشرفة وحاول ان يبيعه لنا. مقابل 10 دولارات, وهي تقريبا قيمته الحقيقية.

Monday, November 20, 2006

مهداة الى الصديق ايماتيور....انت اللي معبرني
والصديق المستشار شريف عبد الله



بدون تذكرة


كان اكثر شئ احبه ناريندر في الهند بعد أن قدم إليها من نيبال هو أن العالم مستمر أبدا. كانت السهول ممتدة وكأنها لا تنتهي , وكان هذا شئ لم يعتده. كان يحس أحيانا بهذا الاتساع الممتد يخترق جسده ويملأه بالنضارة والحيوية . ليس من شك لديه انه في هذا المكان, حيث يمتد ناظريه إلى ما لا نهاية, كل شئ جائز.

كانت مشاعره الإيجابية تتعلق كثيرا بالمبنى الضخم الذي نجح في فرش ملآته أمامه عندما وصل إلى باتنا .

كان المبنى في مواجهة محطة السكة الحديد مباشرة. وكان تيار الناس الداخلين والخارجين من البوابة الضخمة لا ينقطع . وكان من بينهم نساء فاتنات ترتدين الساري المبرقش باجمل الالوان. باختصار هذا النوع من البشر الذي لن يفتقد روبية او اثنتين يعطيها لشحاذ مسكين. كان ناريندر جد فخور بنفسه لانه استطاع ان يجد لنفسه موقعا امام مثل هذا المبنى الواعد . موقعا يمكنه ايضا من مراقبة القطارات القادمة الى المحطة والراحلة عنها.

امضى ايامه الاولى في نشوة عارمة , كان يشعر انه في نعمة . لم يكن ثمة شئ يمكن ان ينغص عليه نشوته حتى الضوضاء المهولة الناتجة عن القطارات والسيارات من حوله رغم انه لم يكن معتادا على قصف الرعد هذا.

في قريته الصغيرة فوق الهيمالايا , والتي تركها بحثا عن حياة افضل , كانت كل ايام تمضي في صمت رتيب.

كانت الليالي في باتنا اكثر هدوءا واقل ازعاجا. كانت الجو الامثل للاحلام والاماني , كانت حلبة الرقص الفسيحة لرقص الرغبات المحموم. كانت مادة حلم ناريندر والتي جلبها معه من نيبال واسعة فسيحة ربما بشكل لانهائي. وكأنها سهول نهر الجانج الكبير. او هكذا خيل اليه على الاقل. ربما اعترض احدهم قائلا انه يستحيل وجود شئ بهذا الاتساع , وخاصة ان ناريندر كان رجلا بسيطا يعرف القليل جدا عن العالم . لم يكن يقرأ ولا يكتب . اما عن تجربته الحياتية فقد كان يمكنه ان يحكيها بالتفاصيل المملة فيما لا يزيد عن دستة من الجمل القصيرة.

فحتى في قريته الاصلية كان ناريندر يعتبر غبيا بعض الشئ او لنقل بطئ الفهم , وكان الاطفال عادة يجرون خلفه صائحين " العبيط, العبيط"

لكن بطريقة او باخرى بعد قدوم ناريندر الى الهند اتسع خياله الى حد بعيد. كانت كل الافكار المتدفقة في عقله تنبع من مصدر واحد, وكانت اليه تعود دائما. يمكننا ان نسمي هذا المصدر بالتقريب :الثراء. لكن لان ناريندر كان رجلا روحانيا ومن اتباع الاله شيفا المخلصين هندوسيا حقيقيا فقد كان يرفض ان يدع تلك الكلمة البغيضة تتسلل الى قاموسه, ان مجرد التفكير في الثروات قد يجلب عليه العار الابدي , ناهيك عن حقيقة ان كل هذه الافكار هي بلا فائدة في الواقع. ففي المكان الذي جاء منه ناريندر كان احتمال ان تغني البقرة اكبر من احتمال ان ينجح احدهم في تحقيق الثراء.

لكن في الهند , ووسط هذه الفخامة , وكل هذه السيارات الفارهة, وكل هذه القطارات, لم يعد بوسعه مقاومة ضغوط رغباته الاثيمة. واستنتج انه لاداعي للشعور بالخجل من رغبته في الحصول على اكثر مما يمتلك , فهنا لايوجد من يمتلك اقل منه اوحتى مثله, فهو لا يمتلك أي شئ. ونما مرض غريب في عقله وهو يراقب الجماهير المتزاحمة في محطة القطار او وهو يشاهد المارة الذين قد يتعطفون عليه او على غيره من الشحاذين امام المبنى ويلقون لهم روبية او اثنتين , انه مرض التوق الذي لا يمكن التحكم فيه الى الفخامة والابهة. فهنا اخيرا ستسنح له الفرصة كي يصير شئ ما او شخص ما.

لنفرض انه كان جالسا خلف مقود هذه السيارة , ما هو شعوره؟ لا , عليه الا يفكر في هذا. لكن لنفرض انه كان مالك هذه الريكشو المرقشة الزاهية, ينقل السيدات والسادة طوال اليوم ويستمتع بصوت ارتطام العملات المعدنية ببعضها البعض في جيبه؟ عليه اولا ان يحيك الفتق في جيبه قبل ان يحلم مثل هذه الاحلام المستحيلة. كم كان سيكسب.؟ ما يكفي للعودة الى قريته في نيبال , وشراء قطعة من الارض وبقرتين , و طلب يد ابنة جاره؟

لا هذه احلام خطيرة عليه ان يطردها من ذهنه تماما , الثراء طريق الدمار والخراب .الم يقرر شيفا ان البعض سيولدون اغنياء , والبعض الآخر فقراء وان الامور ستكون هكذا دائما؟ لو كان يمكن للاشياء ان تكون مختلفة , الم يكن الاله العظيم ليجعلها تكون مختلفة؟

احتاج الامر زمنا طويلا كي يستطيع ناريندر ان يغفر لنفسه هذه الرغبة المفاجئة في الثراء.وبعد ان وضع هذا العائق خلفه , اخذت افكاره تتسارع نحو ارض المستقبل الموعود. كان الطريق الى الثراء متعدد المسارب, بعضها كان معقولا والبعض الآخر ليس كذلك على الاطلاق. بدأ ناريندر في اختيار تلك الطرق التي بدت له مقبولة ولن تخذله. ولكن حتى بعد اختيار دقيق وتمحيص شديد, كان يجد ان الاحتمالات متعددة ومتشعبة و كثيرة , ولكثرة الاحتمالات لم يكن بوسعه ان يكرس لاي منها وقتا اطول من الضروري.

للاسف كانت كل افكاره, كما ادرك بعد تفكير عميق, تعاني من مشكلة او اكثر مما ادى الى انتهاءها جميعا الى الفشل. ربما كان خطأه الاساسي هوانه يبدأ من النهاية ويترك البداية الى آخر مرحلة .

اولا اخذ يتذوق فكرة الانتصار والابهة التي كان يؤمن بأن احد افكاره ستقوده اليها . وبعد ان اغرق نفسه في خيالات محمومة بدء يثوب الى رشده ويعود للارض. لكن كان كلما اقترب من الارض كلما ادرك ان افكاره لا امل لها في التحقق والنجاح. مهما صغر حجم المشكلة كانت دائما عقبة رئيسية في طريقه ولا يمكن تجاوزها.

كان عادة ما يستغرق في احلام يقظته عند المساء , عندما يكون قد جمع ما يكفي من الروبيات كي يشتري وجبة من الارز والخضراوات., وكانت اللحظة الحاسمة غالبا ما تأتيه بعد انتهائه من وجبته.ربما كان هذا بسبب الطعام الذي يملأ معدته او النوم الذي يداعب جفونه. , ولكن ما ان تبدء رأسه في السقوط على صدره حتى تبدأ الشكوك والمشاكل في مهاجمته وتبدأ القلعة في السقوط حتى تتهاوى ويصبح مرة اخرى بلا افكار. ومستعد للفكرة التالية.

لو كان اكثر تواضعا لاستطاع ان يكرس لافكاره اكثر من مجرد اهتمام عابر. لكن بعد ايام من الشك قرر ان هدفه يجب ان يكون الافضل, وعليه الا يرضى بما دون ذلك. لقد اتى من نيبال سيرا على قدميه. وماذا جلب التواضع لصاحبه؟ ولو كان الثراء يؤدي للجحيم فلا فرق ان تكون ثريا جدا او ثريا فقط , حيث المصير الى سقر.

اليس من الافضل ان تستحق ان تكون هناك ؟ في البداية داعب فكرة الحصول على عمل , لكنه قرر فيما بعد ان يصبح ثريا في يوم وليلة. لماذا يرهق نفسه, ان كان بوسعه تجنب ذلك؟ وبعد ان استبعد أي نوع من انواع العمل المضني و الاصرار , اصبح مستعدا فقط لتقبل ومضات العبقرية . لابد ان ثمة فكرة من بين الافكار التي تداهمه كل ليلة, و لا يعرف من اين, بها ومضة عبقرية لامعة . لكنه رفض كل تلك الافكار لانه كان يطمح في شئ لا يقاوم.

من المعروف ان الافكار النيرة تأتي للبشر بدون تمهيد , وكأنها صدفة محضة. حدث هذا التميز الفكري لناريندر ايضا. في اول يوم له في باتنا , نجح في الحصول على وعاء من صفيح , وكان يتجول حاملا اياه في السوق و الشوارع القريبة من مستقره , حيث كان احد البقالين ينفحه حفنة من الارز او قبضة من عدس يضعها في الوعاء. في المساء كان ناريندر ينضم الى اسرة من الشحاذين تمتلك وعاء للطبخ , وكانت تطبخ له ارزه. لم يكن يأكل كل الكمية التي جمعها اثناء النهار . وكان يدفع بما تبقى في حقيبة كتانية, اخذت تلك الحقيبة تمتلأ وتتورم حتى وصلت لحجم وسادة مريحة بما يكفي لاراحة رأسه عليها عند النوم.

كان سعيدا لانه صار يمتلك خزينا , وخاصة عندما اخبره احد الشحاذين انه عائد لتوه من بيهار حيث ثمة مجاعة رهيبة , وحيث تساوي حبة الارز اكثر من وزنها ذهبا.

جعلت هذه الانباء من ناريندر انسانا سعيدا.

لو كان هذا صحيحا فأنه يريح رأسه على حقيبة مليئة بالذهب ! وفي وقت متأخر , بينما لا يعكر السكون المهيمن الا شخير ونخير قاطرة تدخل المخزن, جلس ناريندر فجأة. فقد ضربته فكرة عبقرية لدرجة انها صدمته حقا. كان اكثر ما ادهشه فيها بساطتها الشديدة , وحقيقة انه رغم وضوحها لم يفكراحد من قبل ان ينفذها. , ولذا اخذ يفكر لو كانت الامور بهذا السوء في بيهار والناس تموت جوعا وحبة الارز تساوي اكثر من وزنها ذهبا , فمن المستحيل ان تكون هناك طريقة للثراء اسرع من هذه الطريقة.

سأذهب الي بيهار وابيع حقيبة الارزالتي امتلكها مقابل خمسين روبية , وربما مائة روبية , وربما مائتين , لا سأعد حبات الارزومقابل كل حبة سأطلب حبتين من الذهب. وسأشتري بمكسبي زوج من الماعز , و سأعيش على بيع لبنهم.وبعدئذ سابيع نسلهم واشتري بقرة.ثم ابيع العجول واشتري ثيران وجواميس , ثم ابيع بعض منها واشتري قطعة ارض ازرع فيها الارز, واستأجر عمال يفلحونها. ثم اذهب لجاري واطلب يد ابنته واطالب بمهر ضخم.. ولو ضحك مني الرجل مثلما فعل اخر مرة عندما طلبتها منه , سأطلب منه ان يأتي و يشاهد مزرعتي,بحيث يرى بنفسه ماذا امتلك. ثم تلد لي زوجتي عشر اطفال , لا عشرين طفلا , وفي شيخوختي , ساعيش في سعادة تامة اتأرجح في سريري المعلق, وادخن افضل انواع الدخان , واجلس في الظل والعب مع احفادي.

افقدت تلك الخطة الفخمة المحكمة ناريندر صوابه, وقرر ان يعجب بذكائه لمدة عدة ساعات. حقا انه عبقري كي يفكر في خطة مثل تلك.

اخيرا قرر تنفيذها بحذافيرها , بعد فحص التفاصيل فلا يجب ان يقف في طريقه شيء متى بدا مشواره. لكن رغم ان المشكلة الكبرى الآن صارت كيف يتم تقسيم الدخل الضخم الذي سيحصل عليه بالتأكيد. الا انه لم يتوقف عندها كثيرا. فالامر واضح ولا سبيل لفشل الخطة. اخذ يحلم طوال الليل باحلام الفخامة والابهة, لكن مع اول خيطمن خيوط الفجر قام مسرعا على قدميه وحمل حقيبة الارزعلى كتفه وعبر الطريق ودخل من بوابة مقوسة الى محطة القطارات.

هناك سأل ودله اهل الخير على الرصيف الذي قالوا له ان منه يستطيع ان يستقل القطار الى بيهار. كان ناريندر يظن ان بيهار بلدة ذات محطة قطار , ولم تكن لديه ادنى فكرة عن كونه في بيهار , وان باتنا التي يريد مغادرتها هي عاصمة ولاية بيهار. قال للمسافر الواقف بجانبه" انا ذاهب الى بيهار. هناك مجاعة"

تحرك القطار ببطء شديد. في كيشانجاني نادى الكمساري على شرطيين من شرطة القطارات واخبرهما ان ناريندريسافر بدون تذكرة. جاهدا حتى وصلا الى منتصف العربة المزدحمة . وهناك امسكا ناريندر من كتفيه وجراه الى الخارج الى الرصيف. وربطا يديه خلف ظهره و جراه الى الى قسم الشرطة حيث قالا له انه مقبوض عليه. كان يكرر" ارزي ارزي"فلمتكن لديه ادنى فكرة عما يحدث.

كان القطار قد غادر المحطة , آخذا معه ثروة ناريندر. اخت اقوال ناريندر ووقع على المحضر برسم علامة الصليب. ثم القي به في زنزانة الى حين احالته للنيابة. في زنزانته استمر في تصرفاته الغريبة. كان يصرخ باستمرار " ارزي, ارزي" ورفض الاكل , ولف كل حبة من الارز المسلوق الذي جلبه الحرس له في قميصه, حتى تعفن كل شئ و فاحت رائحته. كان يقول مفسرا " لبيهار. هناك مجاعة"

بعد ان قضى شهرين في الحجز ارسل ليتم فحصه طبيا في سجن آخر كبير . وهناك ايضا . كان عليه ان ينتظر دوره. انتظر لفترة طويلة حقا : 6سنوات واربع شهور. اخيرا فحصه طبيب وكتب له علاج للاكتئاب. وارسل ناريندر الى السجنالمركزي في هازاريباج.وفي هذه الاثناء فقد رجال الشرطة في كيسانجاني كل ملفات قضيته. وهكذا تأجل عرض ناريندر على النيابة الى مالا نهاية ونسّي تماما.

ظل في السجن المركزي بهازاريباج حيث عالجوه من الاكتئاب ,عالجوه فيما بدا له وقت طويل جدا. 22عام.

عندما تعبوا من علاجه, ارسلوه في صحبة اثنين من رجال الشرطة الي كيسانجاني .لكن لم يستطع أي فردهناكان يجد ايوثيقة رسمية تخص قضيته. بالنسبة لهم لا وجود له. لم يلق به احد في السجن ابدا .من هذا اخذوا يسألون الشرطيين اللذين احضراه. وهكذا لم يستطع الشرطيان التخلص من سجينهما. فأخذاه مباشرة الى محكمة الولاية وعرضاه على قاضي الامور المستعجلة. فقد الاخير صوابه وصرخ فيهم انه لن يقبل قضية عمرها ثلاثون عاما تقريبا. لقد تغيرت القوانين الخاصة بهذه القضايا سبع مرات على الاقل.

وسمع هذه المحادثة محاميان شابان من اعضاء احد المنظمات الهندية لحماية حقوق الانسان. وهكذا قام الرجلان اللذان كانا لم يولدا بعد في وقت القاء القبض على ناريندر بدفع كفالته من خزانة المنظمة. وبعد 29 عاما قضاها في السجن دفعوا ناريندر الى احضان الحرية مرة اخرى. بدأ يبكي ويصرخ وأخذ يتوسل اليهمكي يعيدوه الى السجن. لكن القانون لا يسمح بسجن هؤلاء البشر التي لا تسعد بحريتها . كنت تلكهي اللحظة التي قابلت فيها ناريندر على الرصيف المقابل لمحطة القطار في باتنا. كان المحاميان الشابان معه. فعندما اعادا اليه حريته حكما عليه ايضا بقضاء بقية عمره في التسول في نفس المكان الذي كان يحلم فيه باحلام الابهة والعظمة منذ مايزيدعلى ربع قرن.

قال ناريندر" الحرية عقابي على تكبري, كنت اريد بيع الارز للجائعين كي احقق الثراء على حساب البؤساء, انااعرف الآن ان هذا مستحيل. البعض يولد ثريا, والبعض يولد فقيرا ويظل هكذا. لو اراد شيفا ان تكون الامور مختلفة , كان سيجعلها مختلفة منذ البداية"

قتال لي انه عاد للتسول مرة اخرى. لكنه لم يعد يوفر الارز.لقد تعلم الدرس. كل ما يعطى له , يغليه ويأكله على الفور.


Friday, November 17, 2006





نبدء على بركة الله من اليوم في مجموعة قصصية جديدة
تختلف كلية عن المجموعتين السابقتين في انها مترجمة و انها مجموعة قصص قصيرة فيها كل تقنيات القصة القصيرة من تكثيف للحظة وسرعة سرد و شخصيات مأخوذة من الواقع بشكل اوبآخر.المجموعة من تأليف الكاتب السلوفيني الكبير ايفالد فليسار ومن ترجمة محسوبكم
ستجدون في التعليقات مقدمة المجموعة المنشورة عام 2004 عن دار الكلمة بالقاهرة
تحت اسم" حكايات التجوال"و هي اول مجموعة تترجم عن السلوفينية
ايضا ستجدون رسالة وجهها ايفالد للقاريء العربي. وكذلك حديث مع ايفالد اجرته الكاتبة الصحفية و المصورة الكرواتية المرحومة نيدا اورشوليتش
وتعريف بايفالد
اتمنى تعجبكم
ولو معجبتكومش
فارجوكم بلاش طماطم ايماتيور مبيعرفش يصرفها او بيبيعها وبينكر يا ريت ترموا تفاح او بلح زغلول عشان ده فاكهتي المفضلة
اسامة


سيد القطار

في آخر مرحلة من مراحل رحلتنا الدائرية في الهند وجدنا انفسنا في قطار البريد الليلي المنطلق من بنارس الى دلهي.كان القطار مزدحما وصاخبا, وكان بطيئا كحية تزحف عبر وادي نهر الجانج . وبين الفينة و الاخرى كان صوت صفارته الحاد يقطع سكون الليلة الحارة الرطبة وكأن الهدف الوحيد من هذا الصفير هو منع المسافرين من النوم. عندما كان القطار يتحرك في السهل المنبسط كان يبدو كرصاصة منطلقة عكس اتحاه الريح , وعندما كان يصعد المنحدرات الكثيرة في طريقه كان يئن كرجل عجوز يلهث ويحارب في سبيل كل نفس . وعند الملفات كان القطار يصدر صوتا معدنيا كأنه صرخات مكتومة . ومن قلب العتمة جاء قطار آخر في الاتجاه المضاد. أعلن عن نفسه اولا بصفير حاد ثم ضجيج كقصف الرعد اخذ في التلاشي حتى اختفى او كاد ثم سمعنا اصطكاك العجلات بالقضبان يخفت و يضيع.

لكن صوت صفير قطارنا كان مسيطرا تماما على ليلتنا - وكأنه ابتلع كل الاصوات الاخرى ووصل عاليا الى عنان السماء ليطلب منها ارسال دفقات متتالية من المطر المنعش.

كان القطار يكافح الظلام , ويناضل ضد المسافة,ويحاول تجاوز الافق المتراجع الغامض الذي كان يغوي السائق بالوان متراقصة تأبى الاقتراب او التداني ,وينافح تلك الارصفة المزدحمة التي كان من المستحيل معرفة ما إذا كانت حقيقية ام مجرد وهم يخلقه العقل المنهك في هذه القارة مترامية الاطراف . الهند بلاد صناعة الوهم.

كنت اجلس مع زوجتي في قمرة خاصة بنا من قمرات الدرجة الاولى, لكن لم يكن بوسع اي منا النوم. كنا قد اخترنا السفر بالدرحة الاولى من اجل الفوز بالخصوصية , والتمتع بخلوة قصيرة بعيدا عن البشر الآخرين. كانت الخلوة تعطينا وهم الامان و الاستقرار و الراحة. كان بوسعنا اغلاق الباب بالمزلاج و بذا نعزل انفسنا عن باقي الجانب الآخر من العالم. وبهذه الطريقة ارتحلنا عبر شمال الهند وكأننا سجينان في زنزانة رجرارجة.

جافانا النوم. كان ثمة احساس بالذنب يؤرق ضميرنا , وكأن ثمة كائن ضئيل الحجم يتراقص امام اعيننا ويمنعنا من الدخول الى منطقة اللاوعي التي تسبق النوم. كان يهزء منا ويقول لنا بصوته غير المسموع: تريدون ان تشاهدوا العالم و تحسوا به و تصادقونه. وماذا تفعلون ؟ تعزلون انفسكم عنه , وترفضونه!!

لكن لم تكن لدينا الطاقة الكافية كي نستوعب كل هذا العالم المتسع الغريب الذي تحويه الهند و دون ان نمنح انفسنا ساعة او ساعتين من الراحة والتقاط الانفاس.

كنا بين الفينة والاخرى نصل لنقطة نحتاج فيها لفترة من الانسحاب والتراجع داخل الذات بغض النظر عن التكلفة التي نتكلفها في سبيل هذا – حتى لو كانت التكلفة هي تكلفة تذاكر بالدرجة الاولى. لكن رغم هذه الكلفة الباهظة كانت الراحة تأبى ان تعودنا, الا للحظات سريعة. ربما كنا قد نجحنا في الهروب من الزحام ,لكننا كنا نعاني من الاختناق من دخان البركان المضطرم من المشاعر الملتهبة في صدورنا. كانت كل لحظة تمر تجلب معها مئات الوجوه و الاصوات و الاحداث التي شاهدناها و سمعناها وعشناها طوال الاسابيع المنصرمة وربما الشهور الماضية.

كنا كلما مررنا برصيف يموج بالبشر وشاهدناه عبر النافذة يعاودنا شعور بالشك و القلق.هل تلك هي بداية رحلتنا؟ هل ما يحدث حقيقي؟ام هو مجرد ذكرى تعود للحياة؟ متى يتوقف ضجيج القضبان , ومتى سيلف الصمت المكان ويملأ آذاننا المشتاقة؟ متى تحل السكينةفي قلوبنا ويهجع عقلنا وترتاح ارواحنا؟

كان ثمة طرق خفيف على الباب المغلق بالمزلاج , تجاهلته في البداية, لكنه عاد وبشكل اكثر الحاحا . هل هو الكمساري؟ نزلت من السرير العلوي , وفككت المزلاج وفتحت الباب. كان اول ما رأيت هو وجها هنديا يعلوه مزيج من الرعب والخيلاء. كان وجه رجل في اواسط العمر يرتدي قميصا ابيض له اكمام قصيرة.بعدئذ , رأيت خلف الهندي مجموعة من الفلاحين المعممين وحولهم مجموعة منتقاة من الحقائب و السلال و معهم زوجاتهم ترتدين الاساور و الخلاخيل و الاقراط المتدلية, وهن يحملن اطفالهن الكثرالنائمين بارجلهم الرفيعة الحافية.

همس الهندي صاحب القميص الابيض " ارجوك اسمح لي بالدخول والجلوس على الارض في قمرتك."

سألت متجاهلا سؤاله وكأني في منزلي" من هؤلاء؟" واردفت " تلك عربة الدرحة الاولى"

رد الهندي " معي تذكرة درجة اولى" وادخل يده في جيب بنطاله , وسحب قطعة من الورق وقدمها لي ملوحا بها امام عيني. اختفت الكبرياء من على وجهه , واخذ يتوسل" ارجوك اسمح لي بالجلوس على الارض . وإلا اضطررت للوقوف مع هؤلاء الى حين وصول القطار للمحطة التالية أي لمدة ساعتين"

في القطارات الهندية ,العربات منفصلة وغبر متصلة ولذا لا يمكن التنقل فيما بينها, وهكذا عليك الانتظار لحين توقف القطار لواردت الانتقال. كل المسافرين سجناء حتى المحطة القادمة:

الهندي من الطبقة الاعلىالمرعوب من التلوث بالاختلاط بهؤلاء الذين لايجب لمسهم, و الفلاحون الذين امتلأت اعينهم بمزيج من الحرج والتحدي, انا الذي كنت مصمما على الدفاع عن كل شبر من منطفتي.

همس الهندي"اتوسل اليك. حتى المحطة القادمة فقط. سأتمدد على الارض . لن اضايقك" و رفع يده فلاحظت انه يحمل ترموس احمر اللون. واردف قائلا"معي شاي , شاي جيد جدا, سيعجبك."

قلت وانا اغلق الباب" لابد ان استأذن زوجتي" ثم احكمت الرتاج بالمزلاج.

كانت زوجتي نائمة. وكان ثمة متسع على الارض . ولكن ماذا لو قرر الهندي متى مارحت انا ايضا في النوم ان يسرقنا او يطعننا او يخنقنا؟ لو كنا في بلادنا في اوروبا لما ترددت لحظة, وربما كنت سأعرض على الرجل سريري(آملاطبعا انه سيرفض في ادب ) و لو كان هناك اربع رجال خارج القمرة في الممر لحولت السرير الي مقعد وطلبت منهم الجلوس عليه. لكن الامر يختلف في الهند. ما نقوله لا نعنيه دائما. والايماءات البريئة تخفي نوايا شريرة.وفي هذا العالم المراوغ لا يجب على المرء ان ينزع درعه ويجب ان تكون اليد قابضة على السيف دائما.

بعد5دقائق عاود الهندي طرق الباب.فتحت الباب وواجهته" انا آسف كم كنت اود ادخالك , لكن زوجتي.... اعتقد انك تفهمني" ثم اغلقت الباب في وجهه و احكمت اغلاقه بالمزلاج.

جلست بجوار النافذة, واخذت احملق في الانوار المتراقصة عن بعد. غيرت الصفارة نغمتها, صارت اشبه بنوع من التأنيب المستمر . وكأنها صوت قوة خفية تود ان تجادلني . وكأنها تقول لي" ايها الاجنبي , انت لست سيد القطار . ولاحق لك فيما تفعل . انت لاتملك حتى تلك الرقعة الصغيرة التي تحتلها!!!. قد يمنحك المال الحق في الاحتلال ولكنه ابدا لايعطيك الحق في بلادة الشعور!.

كنت احس ان هذا هو ما تقوله الصفارة والقطار يشق طريقه في العتمة.التقطت القطارات الاخرى الرسالة وضخمتها الاف المرات وهي آتية لملاقاتنا من جوف الليل , وكنت احس انها تركزكل انوارها علي وهي تتجاوز قطارنا و صوتها يدوي في اذني كالرعد. فتجعلني احس كما لوكنت معتقلا رهن الاستجواب و كما لو كانت القطارات ستحمل كل تلك القصة معها عبر المسافة.قصة جرمي المشهود. ستحملها على طول الطريق وتنشرها في القرى والمدن التي تتلألأ ثم تختفي تاركة ندبة صغيرة في خلفية الذاكرة.

تحرك شيء ما بداخلي , هيا تحرك افتح الباب . دع الرجل يجلس على الارض . هذا ليس بالكثير.أفتح الباب, لكن الجسد يرفض ان يطيع. لقد اختار ان يظل قابعا في هدوء جنب النافذة.

تقافز القلب حتى قارب الحنجرة, كان ينبض بالقرف والخوف. كان ممتعضا من خساسة الروح, واخذت ارتجف.

الهند!! ماذا فعلت بي؟ لقد استمتعت ايما استمتاع بطعامك الذي لا يقارن الذي كنت آكله من طبق فضي في مطاعم مكيفة الهواء, بينما على قارعة الطريق يشحذ العميان والبرصان واصحاب العاهات لقمة خبز و يتطلع المبصرون منهم من النوافذ و تتسمر اعينهم على الملعقة الفضية وهي تأخذ طريقها من الطبق الى الفم. وماذا افعل؟ استمر في اتخام بطني , واكيل المديح لفن المطبخ الهندي . لم يأكل اباطرة المغول العظام اطباق اكثر شهية من هذه التي آكلها وانا احتمي داخل المطاعم المكيفة, واشتري لرفيقتي ولنفسي كل ماهو متاح من المباهج, وانا اتقبل كل الامتيازات التي نحصل عليها وكأنها شيء طبيعي , وحق لامراء فيه , واهنيء نفسي على كل لقمة امضغها.

وبينما آكل و احملق في الشحاذين في الخارج, يصرخ احد نصفي : يا له من طعام شهي كأنه طعام أهل الجنة!!! بينما يتحسر النصف الآخر , وهو يستمتع بالمأكولات ,علىغياب العدالة والظلم الاجتماعي و انانية الانسان و الحكومات الفاسدة.

لكن لا يوجد ارتباط بين نصفي – مثلما عربات القطار في الهند. وكنت اقوم عندما اتخم بالطعام واترك مائدة الطعام , وأخرج من المطعم المكيف الى الشارع الحار الخانق , وتحوطني مئات من الايدي الممتدة و ارى افواه بلا اسنان تنفتح وتتفوه بكلمة واحدة"بابو, بابو". لم اكن افكر ولو للحظة كم تليق بي هذه الكلمة فأنا حقا "بابو" سيد الرحلة, سيد المائدة , سيد القطار. ادفع الثمن واقيم الاسوار و اصير المالك الوحيد للرقعة التي عزلتها.

مر الليل ببطء وكان طويلا بشكل ممل. تساقطت دموع الخجل على وجنتاي . فقد علمتني الهند اخيرا اهم دروسها واكثرها قيمة: لقد اوضحت لي بجلاء مدي عمق النقص الذي اعاني منه.

كم يكون صوتنا عاليا عندما ندعو للمباديء والمثل.كم تكون جميلة ومذهلة على شاشة الحاسب الذي نكتب عليه. كم نحن شجعان في الملاعب . وكم نتراجع بسرعة ونتحول بسهولة الى خونة......

في الصباح توقف القطار في محطة كبرى.كان الرصيف في ناحية نافذتنا. كانت زوجتي نائمة.لاحظت نزول كل الفلاحين الذين كانوا في عربتنا و جعلوا الهندي من الطبقة العليا يحس بالعار. المذهل انهم كانوا يحملون كم ضخم من الامتعة. على اكتافهم , وعلى رؤوسهم و في ايديهم.كانوا يحملون حقائب جلدية فاخرة مختلفة الاحجام.وكانوا يشقون طريقهم بعنف عبر الزحام كما لو كانوا في عجلة من امرهم.

ثم لمحت الهندي من الطبقة الاعلى.كان يمشي خلف الفلاحين حاملا حقيبتين كبيرتين. ويجرمن خلفه ثالثة اكبر حجما. لم يعد خائفا من الذين لايجب لمسهم, بل كان يتبادل مع اثنين منهم الحوار.وسرعان ما ابتلعهم الزحام. وصعد ركاب جدد للقطار . ولوح ناظر المحطة بالعلم ايذانا بانطلاق القطار الذي اخذ في التحرك ببطء تاركا الرصيف خلفه.

هرعت للممر, كان خاليا. فتحت باب القمرة المجاورة. كان ثمة اربع ركاب هنود مستغرقين في نوم عميق. تابعت فتح الابواب, في كل القمرات كان كل المسافرين نائمون وكأن ضوضاء المحطة لم توقظ اي منهم. كان كل شيء عادي جدا.عدا انني لم ارى اي متاع او حقائب في اية قمرة!!ولاحظت الترموس الاحمر مفتوحا وفارغا وملقى على ارض القمرة الاخيرة.ولابد ان صاحبه ,السيد الحقيقي للقطار كان يحمل اكثر من عشرين حقيبةمن مختلف الاحجام على عربة النقل التي اتفق معها على انتظاره خارج المحطة. ناهيك طبعا عن الساعات والجواهر والمحافظ التي كان يحملها معه!!!


Monday, November 13, 2006

الحدوتة او الحكاية الاخيرة
في متوالية منير الحكائية الجميلة
استمتعنا بها معا واستمتعت بما تكتبونه من تعليقات عليها

سندخل بإذن الله من يوم الخميس القادم في مجموعة قصصية جديدة هي من الادب السلوفيني المعاصر لاديب سلوفينيا الكبير ايفالد فليسار المجموعة هي حكايات التجوال. وهي من ترجمتي.....ارجو الترفق بمحسوبكم ولو معجبتكوش بلاش طماطم ياريت سفندي او لمون عشان ايماتيور يعرف يصرفها في سوق الحضرة لان الطماطم مرطرطة هناك ومعرفش يبيع اللي جبناه من تدوينة عمنا كيركجارد هناك في مدونة اسامة
تحياتي لكل الاصدقاء الذين شاركوا في رحلة منير الجميلة
د.ايمان ود.احمد داوود و د.وليد عبد الله و الصديق الجميل ايماتيور
والدكتورة بلو روز و الدكتور ابوفارس و الاستاذ لابيدو



تسع خرزات للقادم

الخرزة الأولى

أغلقت حجرة أمها على نفسها.. أخرجت الصندوق القديم من تحت السرير.. بصعوبة استطاعت أن تقلبه وتفرغ كل محتوياته على الأرض.. أخذت تلقى جانبا ببقايا الملابس القديمة.. الأوراق البالية.. قطع الحلى الزجاجية.. أخيرا عثرت عليها.. كانت واثقة أنها ستجدها فى هذا المكان.. خرزة زرقاء كبيرة بحجم إصبع رجل عملاق.. أخبرتها أمها أنها اشترتها منذ خمسة وعشرين عاما من عجوز نوبية طلبت منها ربطها فى سلسلة حول صدرها لتحفظ لها حملها..

قبلت الخرزة الزرقاء.. وضعتها فى جيبها.. أعادت محتويات الصندوق إلى مكانها.. دفعته تحت السرير.. استلقت فوق السرير تحلم.

الخرزة الثانية

حملت الطشت الألومنيوم الكبير فوق رأسها.. مشت بخطوات وئيدة بينما حماتها تمصمص شفتيها غيظا.. وصلت إلى موردة إسماعيل الجناينى.. أنزلت الطشت من فوق رأسها.. بدأت تغسل ما فيه من أوانى.. فوجئت بسمكة حمراء اللون تقفز من عمق المياه إلى الطشت.. استعاذت من الشيطان الرجيم.. تقيأت السمكة خرزة زرقاء وقفزت عائدة إلى المياه.. تابعتها مشدوهة.. ابتسمت ردا على ابتسامة السمكة لها.

الخرزة الثالثة

تابعت بعيني الطفلة القديمة قطرات المطر البلورية تتساقط من السماء.. رأت نفسها بضفيرتين طويلتين تحاول أن ترقص تحت المطر فتتزحلق فى الطين.. فتحت زجاج الشباك.. مدت يدها.. تساقطت حبات مطر فيها.. ضمت قبضتها عليها.. أغلقت الشباك بيد واحدة.. فتحت قبضتها.. وجدت فيها خرزة زرقاء بها عروق مضيئة من قوس قزح.

الخرزة الرابعة والخامسة

راقبت القطة السوداء ذات العينين الزرقاوين منكمشة فى حجر حماتها.. تنظر لها نظرات مرعبة.. كان زوجها يضحك لخوفها من القطة.. تخبره أنها لن تنجب إلا إذا خرجت هذه القطة من البيت.. وتخفى فى نفسها بقية العبارة.. أن تخرج أمك مع القطة أو قبلها.. انتهزت فرصة موت الحماة فى قيلولة ما بعد العصر حيث لا تشعر بما حولها ولو كان زلزالا.. وضعت طبقا كبيرا به بقايا شوك سمك أمام حجرتها.. أسرعت القطة تأكل منه.. سقطت ميتة.. لفتها فى خرقة.. خرجت مسرعة إلى أرض النخيل.. عيون القطة الميتة تهدر ببرق مخيف.. استحضرت حلمها فأمدها بشجاعة وقسوة غير اعتياديتين.. بالسبابة والوسطى أخرجت العينين سليمتين.. لفتهما فى منديل.. وضعته فى جيبها.. دفنت القطة.. عادت يغمرها شعور قوى بالانتصار.

الخرزة السادسة

تحبه عندما ينسى عمله المرهق فى ورشة الحدادة.. وطلبات أمه من أجل زواج أخواته البنات.. ومشاكل إخوته الصبيان.. والضائقة المالية الدائمة التى يعيشون فيها.. يلقى كل هذا خلف ظهره.. يفرش بطانية من مخلفات الجيش على الأرض وفوقها ملاءة مثقوبة.. يمسكها من يدها.. يخلع عنها ملابسها بنفسه.. يعد الحسنات المنشرة على كتفها الأيسر.. وفخذها الأيمن.. وعلى قمة كعبيها.. يقبلها.. يدور بها فى عالم لا نهائى من التفانى.. يصلان إلى قمة الحلم فى نفس اللحظة.. فيتقاسمان نفس الثمرة.. ينظران لبعضهما بحب وامتنان.. يغمضان عينيهما.. تمد يدها.. قطرات من عشق حميم تقع فيها.. تضم قبضتها عليها.. يقوم ليرتدى ملابسه.. تفتح يدها.. لا تصدق جمال الخرزة الزرقاء التى أصبحت تمتلكها.

الخرزة السابعة

أخبرتها جدتها أن النخلتين المتعانقتين أمام باب الدار لهما سر مجهول لا يعرفه غيرها.. لو باحت به تموت.. لكنها أشارت إلى الطريق.. اخلعى قلبك فى ليلة قمرية.. اغسليه بماء ورد بارد.. ادفنيه تحت النخلتين لمدة ساعة واستلق بجانبه.. ثم استعيديه وضعيه مكانه مرة أخرى.. واصمتى فى تلك الليلة لا تتحدثى إلى أحد.. لا تلمسى زوجك.. اجلسى عارية فى طشت نحاسى جديد ملئ بماء الورد المقروء عليه آية الكرسى وسورة الجن.. لا تفكرى إلا فى القادم.. إياك أن ينشغل بالك بأى شئ آخر..

صحت متأخرة من إرهاق الليلة التى استجمعت فيها كل إرادتها وعزمها لتنفذ ما أمرت به الجدة.. شوق غامض جذبها إلى النخلتين المتعانقتين.. حفرت فى نفس المكان الذى دفنت فيه قلبها فى الليلة الفائتة.. وجدت خرزة زرقاء على شكل بلحة.. رأت على سطحها وجه غلام يشبهها إلا أن أنفه تشبه أنف حماتها.. كانت ابتسامته أجمل ما رأت عيناها.

الخرزة الثامنة

ترددت فى إخباره.. استجيبت دعوتها فلا يستطيع أحد أن يلاحظ ما بداخلها.. هل تضيع تعب الشهور الماضية وتخبره.. سيخبر أمه.. وستعرف العائلة كلها.. أخته الكبرى ذات العينين الحاسدتين تكرهها.. وأخته الصغرى يمكن أن تذهب مع أمها إلى الشيخة وداد لشراء "عمل" يسقط حلمها..

نظر فى عينيها وابتسامة ما تتحرك على وجهه.. محبة وعطف وسخرية لطيفة.. وضع يده على رأسها.. قبل جبينها.. أخرج من جيبه خرزة بحجم كف يده.. فوجئت.. فكرت أن تسأله.. كيف عرف؟ من أين أتى بها؟.. نظرت إليه.. ابتسمت صامتة فاهمة.. قبلت ما بين عينيه.

الخرزة التاسعة

نظر إليها حموها العجوز بامتنان وهى تضع له طعامه على الأريكة.. منذ أصاب الشلل يده اليسرى وقدميه وهى الوحيدة التى تعتنى به.. هو عمها قبل أن يكون والد زوجها.. تقدم له الطعام والملابس النظيفة والحنان.. تجلس معه لتحدثه.. تستمع إليه بصبر وهو يحاول أن يستعيد أيام مجده عبر كلمات تخرج متكسرة مضنية..

فوجئت به يفرد أصابع يده اليسرى المضمومة فى قبضة إجبارية منذ سنوات طويلة.. يقدم لها خرزة على شكل غلام.. يمسح بأصابعه على بطنها مبتسما.. تستعيد أصابعه وضع القبضة الإجبارية.. تسقط دمعة من عينيه.. يحاول أن يمسحها بكمه الأيسر.. يفشل.. تمسحها هى بيدها..

تلضم خرزة الجد مع بقية الخرزات فى خيط حريرى.. تلف عقد الخرزات حول عنقها.. تتمدد على سريرها.. أمها جالسة بجوارها فى انتظار الحلم القادم.