عام آخر او عامين
ايفالد فليسار
حياتي ليست سيئة،عدا انني بين الحين والآخر اسأم من العمل.لكن الادهى والامر انني اسأم من الاستراليين الذين يزعجونني باسئلة اجوبتها واضحة وضوح الشمس.يحدث احيانا ان يتقدم رجل نحوي من على الرصيف ويقول"سواق،لماذا لا تتحرك؟". وانا اعرف ان الاجابة المؤدبة لابد وان تبدأ بكلمة لأن ولكني احيانا لااجد لدي القوة لمثل هذه التأدبات لاني اكون ضيق الصدر لدرجة انني اقبض على كتف الرجل بيد من حديد و اديره نحو مقدمة القطار واشيرالى الضوء الاحمر. وعادة ما يؤتي هذا ثماره ويحل الرجل عن ظهري.
لكن بالامس سألني رجل يرتدي قميصا ابيض و كرشه اكبر من بكن المرأة الحامل على وشك الوضع سؤالا اكثر غباءا من كل الاسءلة الغبية التي تعرضت لها من قبل. كان القطار في المحطة الرئيسية و اتى الي يلهث من اثر صعود السلم وكأنه يهرب من خياله،وكان بوسعي ان اسمع برميلا من البيرة يترجرج بداخل كرشه وقال"سواق هل يذهب هذا القطار الى المحطة الرئيسية؟" ومن خلفه كانت هناك علامة تفقع عين الشمس مكتوب عليها بخط اسود واضح عريض اننا متوقفون في المحطة الرئيسية.
اعتدت على هذا ولايمر على عادة يوما دونما ان يحاول احدهم ان يسخر مني ،وعادة اظل هاديء وادعي انني اهبل. وهذا يرضي معظمهم ويتركونني وعلى وجههم ابتسامة تعال بلهاء.ولكن بالامس انفجر شيء ما وقلت لنفسي"كفاية".
بيدي اليسرى ضغطت على زرار التحرك فوق بوابة قمرة السائق التي احتلها. ومع تعتعة القطار واستعداده للحركة وجهت قبضة يدي اليمنى بكل قوة نحو كرش البدين الممتليء بالبيرة حتى ان عيناه كادتا ان تخرجان من محجريهما.صرخ الملعون"خنزير اجنبي".هذا هو الحال.
في يوم عطلتي اركب سيارتي و اذهب الى شاطيء بوندي لاشم البنات الاستراليات. معظمهن شابات صبغتهن الشمس باللون البرونزي مثل بسكوت الشكولاتة. وعندما يضحكن تلمع اسنانهن في بياض اشد من الابيض الناصع. وتبدو اجسادهن كما لوكانت تحاول جاهدة ان تهرب من البيكيني من الامام و الخلف و الجانبين. ومرتين او ثلاث جحت في لمح جزء من صدر عار او مؤخرة، بسرعة لانه ليس من الادب ان تحملق كما كانت امي تقول دائما.
لاتوجد بنت واحدة على الشاطيء قد اتردد ولو للحظة في مضاجعتها،ورحمة الله على جدتي التي كانت تستخدم هذه الكلمة كثيرا عند السباب. حتى اقلهن جمالا لديها ارداف تجلب الدمع لعيني عندما اراهم. اعرف بالطبع ان هذا لا يعدو ان يكون حلما في افضل الاحوال.لا توجد ادنى فرصة لدي كي اتقرب من اي منهن.ومعظمهن على كل حال محاط بثلة من المعجبين من ذوي العضلات المفتولة والشعر الذهبي.
بينما تأتي اولئك الخاليات من رفقة الرجال في جماعات من ثلاثة او اكثر وهكذا يسبحن معا و يجلسن معا.
بذلت مجهودا هائلا لتحضير 10عبارات تعارف مؤدبة لفتح باب المناقشة بطريقة تبدو شديدة البراءة.وللاسف حتى الآن لم تسنح لي الفرصة كي اختبر اي من هذه العبارات.عدا مرة واحدة كنت اراقب مجموعة من الفتيات يتشمسن على الرمال.كن6.5شقراوات والسادسة ذات شعر بني ،وواحدة تلو الاخرى جرت الشقراوات نحو الماء والقين بانفسهن في احضان الامواج وهن يصرخن صرخات اثارة. بقت ذات الشعر البني على الرمل و التقطت مجلة وبدأت في تقليب صفحاتها.
قمت على حيلي و شددت قامتي وخبطت صدري.لدي جسد ممشوق وانا اذهب للجيم القريب مني مرتين في الاسبوع فلا يوجد منظر اسوء من منظر شاب بلا عضلات. ووجهي ايضا ليس بالسيء،انا لا ادعي انني وسيم لكن ملامحي لا تخلو من جاذبية هذا على الاقل ما اراه عندما انظر الى نفسي في المرآة.
تقدمت من ذات الشعر البني وقلت"هل رأيتك في القطار بالامس؟" تلك هي احدى عبارات التقديم التي اعددتها.وتابعت"انا سائق مترو انفاق واقسم انني رأيتك تركبين في المحطة الرئيسية" قلبت صفحة من المجلة و نظرت الي. كانت نظرة عابرة اكثر منها متفحصة وقالت دون بلامبالاة"روح موت". غمغمغت باعتذار سريع و انسحبت وليس بنفس القدر من الكرامة الذي تمنيته. والصراحة انني التقطت سروالي و صندلي على عجل و اسرعت مبتعدا عن الشاطيء. ومنذئذ ازددت حرصا. اكتفي بالمراقبة والحلم.
بالقرب من الميناء هناك مطعم اذهب اليه احيانا لتناول طعام الغداء و شراب زجاجة من النبيذ ويحدث هذا في معظم الاحوال في ايام الاحاد والعطلات الرسمية. احدى النادلات من اوروبا، من بلدي في الواقع،تبدو دائما لاهثة والنمش يغطي وجهها.يعلم الله مالذي دعاها للقدوم الى استراليا.لم اسألها قط.ترتدي خاتم زواج عريض وسميك كأنه يقفز في عينك محذرا من اية افكار سيئة قد تجول في خاطرك.لكن لدي احساس ان زوجها يهملها وان مرحها مجرد زيف.
عندما تجلب لي حساء الدجاج-لا تسألني ابدا عما اريد،فهي تعرف دائما انني آت للغداء الموجود في قائمة اليوم وهو الارخص طبعا- تبتسم وتقول"اهلا يانش ااصبحت ثريا؟؟" ابتسم لها ولماذا لاافعل الابتسامة بلا مقابل ولا تكلف شيئا واقول"عام آخر او عامين يا ميلينا عام آخر او عامين!!"وهذا كل شيء. عندما تقدم الطعام للموائد الاخرى تنظر احيانا في اتجاهي من فوق كتفها وتبتسم لو تلاقت اعيننا. وعندما تجلب لي الطبق الرئيسي والسلاطة تموضع نفسها بطريقة تجبرها على ان تقدم الطعام عبر كتفي وعندئذ تحتك بي في خفة. وانا متأكد انها تفعل ذلك عامدة متعمدة.وقد قررت اكثر من مرة ان اطلب منها ان تأتي معي الى السينما.ثم آخذها خارج المدينة في سيارتي ،رحلة قصيرة للتلال،وسأطلب منها عندئذ ان تحكي لي حكايتها في اقل قدر ممكن من الكلمات وبعدئذ وربما في طريق العودة سأركن في موقع آمن بين الاشجار واعطيها ما اعرف انها تتوق اليه بشدة!! هي غير جذابة بالنسبة لي على الاطلاق،لكن ما المشكلة؟سأغلق عيناي و الموضوع لن يكلف شيئا وهي ستتمتع.انا متأكد ان هذا هوالسبب الوحيد الذي يجعلها لطيفة معي.
المشكلة انني لا اجد الوقت.لو لم اكن اعمل انام. وان لم اكن نائما افضل ان اعمل باسرع ما يمكن كي لا انفق المال فيما لاطائل وراءه. في وردية الصباح يبدأ يومي بالاستيقاظ في الثالثة صباحا واقود سيارتي الى المحطة الرئيسية.ثم ابحث عن رئيس الوردية كي يقوم بتوقيع الساعات التي عملتها في اليوم السابق ثم القي نظرة سريعة على الجدول اليومي ثم اسرع الى رصيف كذا وكذا لاحل محل السائق في هذا
القطار او ذاك. وانتظر صعود ونزول الركاب.ثم اطلق صافرتي و اضغط على الازرار التي تغلق وتفتح ابواب القطار باستخدام ضغط الهواء.و اضغط على الزر الذي يطلق الصافرة في قمرة القيادة وينطلق القطار في طريقه.
تتوالى المحطات داخل المدينة وكأنها سلسلة من الكوابيس،ما ان تغيب احداها في النفق من خلفنا حتى تلوح الاخرى في النفق امامنا وما ان اغلق الابواب واجلس حتى اجدني واقفا لافتحهم ثانية وهكذا بلا انقطاع....
افضل كثيرا ان اعمل ايام الاحاد،لان الساعات تدفع مضاعفة.وازور البنك مرة كل شهر وادفع من خلال النافذة حزمة من نقود اقتطعها من اجري وتسجلها موظفة البنك الشابة المثيرة في كمبيوتر البنك و دفتر التوفير الخاص بي.وتلك هي اسعد لحظات حياتي.احيانا اسمع زغاريد وموسيقى ترن في اذني.اقسم على هذا. وتعرف ميلينا اننا اوفر مرتبي في البنك ولذا ولهذا تسألني دائما ان كنت قد صرت ثريا.و لاانفك اجيب عليها"عام آخر او عامين يا ميلينا عام آخر او عامين!!"
انا احتفظ بدفتر التوفير في جيب القميص بالقرب من قلبي. بسبب خشيتي من ان يسرقه احد وايضا بسبب انني احب ان افتحه بين الفينة والاخرى لكي اختلس نظرات الى الارقام و حركة النقود واقرأ قواعد الادخار. السبب الاهم هو انني لا اريد ان تعبث السيدة هورتي صاحبة المنزل بدفتري. انها سيدة جد فضولية تحشر انفها في امور الآخرين،وهي تفتش ادراجي و تفتح حقائبي و تعبث باصابعها في مقتنياتي. ولو عرفت كم من المال ادخر فاكيد انها سترفع الايجار وتضاعفه بين عشية وضحاها.
انا اتناول وجباتي معها ايضا. الفطور والعشاء او الفطور والغداء على حسب وقت عودتي من العمل. وعادة ما يحدث ان اتناول عشائي في الثالثة صباحا و افطاري في الرابعة بعد الظهر. السيدة هورتي لا يهمها هذا على الاطلاق. انها لا تنام ابدا وتجلس طول الوقت في سريرها لتشاهد التليفزيون. ولم يحدث قط ان عدت من العمل ولم اسمع الاصوات المألوفة للمسلسل مع فتحي لباب الغرفة.حاسة السمع عندها خارقة
ولم تفشل قط في سماع صوت ايلاجي المفتاح في الباب.عندئذ تصيح"يوهانس" بعد ان ادخل الردهة.و تتابع"تعال،وشاهد معي هذا البرنامج اللطيف".احيانا ادعي الطرش،و ادخل حجرتي و ارقد،ولكن معظم الوقت احس بالاشفاق عليها فارد"دقيقة واحدة يا مدام هورتي.دعيني اولا اغسل يدي"ثم اذهب اليها وانا مرتديا اليونيفورم واجلس على كرسي فوتاي بالقرب من السرير و اشاهد اي شيء غبي موجود في التلفزيون.
ما يضايقني اكثر هو تعليقاتها المستمرة.لوكانت تشاهد فيلما تصرخ باستمرار"كنت متأكدة انه سيفعل هذا".ولوكانت تشاهد برنامج مسابقات تحاول الاجابة على كل الاسئلة وعادة تكون كل اجابتها خاطئة. ولو كانت الاخبار تزم شفتيها وتتأوه وتقول"عل ترى هذا يا يوهانس،يا له من عالم صعب هذا العالم الذي نعيش فيه"واوافق على كلامها دائما قائلا"حقا يا مدام هورتي"
وتقوم مرة واحدة على الاقل كل اسبوع بتقديم وصف دقيق مفصل لكيفية هروبها عام 1956 من المجر وكيف كادت ان تغرق وتتحطم سفينتها في طريقها الى استراليا وكيف انقذها الرب لتنعم بخيرات خلقه طوال عدة سنوات اخرى.وقد تضاعفت تلك السنوات كثيرا ففاقت كل سخاء قد تحلم به،وهي في الحقيقة من اولئك الذين ينساهم الموت فيتجاوزون السن المعقولة للرحيل.لقد تجاوزت بالتأكيد زوجها الالماني الذي اشترى لها منزلا في احد ضواحي المدينة و زاد كرمه فترك جارهم يدهسه وهو يدخل سيارته الى المرآب ورحل تاركا لها مايكفي من المال كي تعيش حياة كريمة دون عمل او تفكير في مستقبل.
ويبدو لي انها منذ هذا اليوم لم تبرح سريرها.بين الحين والآخر اعرض عليها ان آخذها في نزهة الى مكان ما:البحر او الحديقة العامة لتشم الهواء النقي.لكنها دائما ماترد على قائلة"لا يا يوهانس هناك برنامج مثير في التلفزيون واخشى ان يفوتني" ومرة كل اسبوع تعطيني قائمة طويلة من المشتروات فاذهب الى السوبرماركت واعود محملا بالبقالة ومسحوق الغسيل وغير ذلك مما تحتاجه .وهي تطبخ عندما اكون في العمل وتترك الطعام لي على الفرن. وبالرغم من انني اقيم عندها منذ حوالي ثلاثة اعوام تقريبا لم ارها قط خارج السرير.تجلس عليه وحولها اربع وسائد كبيرة يسندونها. وترتدي دائما قميص نوم حريري له ديكولتيه واسع يكشف عما ارى انه الكثير من صدرها الناشف المقشف. اما عن وجهها فهويشبه وجه زعيم من زعماء الهنود الحمر قبل المعركة. وعلى المائدة المجاورة للسرير تحتفظ دائما بمجموعة من المجلات التي تنشربرامج التلفزيون وصندوقا من بسكويت الشيكولاتة ولا تتوقف عن التهامه وتتساقط الفتات على صدرهاوعلى اللحاف وعلىالارض
في احيان كثيرة ىتستطيع ان تقرر ماذا تريد ان تشاهد و تستمر في الضغط على ازرار جهاز التحكم عن بعد في جنون.ثم تقول"يوهانس،قل لي ماذا تريد ان تشاهد؟"واقول لها اي شيء يامدام هورتي اي شيء الامر سيان عندي" وهنا تصل لحالة يأس واحيانا تحاول اجباري على اختيار برنامج. ولابد ان اعترف انني احيانا اشفق عليها فالقي نظرة سريعة على البرامج واختار اول مسلسل ممل يصادفني.وهذا يؤدي الى راحة فورية وان كانت مؤقتة.مؤقتة لانها سرعان ماتبدء في الاحساس بالغضب لان عليها انتشاهد شيئا لم تختاره بنفسها.ولذا تجدها لاتمانع عندما اقول اني اود ان ارقد قليلا،وما ان اصل الى الصالة اسمعها تغير القناة.
في حجرتي الصغيرة والتي تحتوي على سرير ودولاب ملابس ومكتب ادراجه لاتفتح استخدمه كطاولة ينتابني عادة شعور لااستطيع تحديد اسمه.كل ما اعرف انه ليس التعب.لو كنت متعبا وانا لا اعود من العمل ابدا الا متعبا جدا اجدني ابدأ في الشخير ما ان اضع رأسي على الوسادة.وعادة يتسلل هذا الشعور الي في منتصف الليل فأجدني وبدون سبب على الاطلاق استيقظ،و ابدأ في التفكير في الدنيا!!.
في افكاري اعود عادة الى القرية التي شببت فيها والتي مايزال والداي يعيشان فيها على نتاج قطعة صغيرة من الارض. واتذكر شجرة الكرز التي اعتدنا الجلوس تحتها و شرب عصير التفاح المخمر او السيدر ايام الاحاد. واتذكر ماري ابنة الجيران التي كانت تكبر لتصير فتاة جميلة مستعدة لاي شيء لو كنت بقيت هناك لفترة اطول.لكن الافكار التي تعتريني معظم الاوقات تتعلق كثيرا بمستقبل الايام. ومتى ما مفكرت في هذا الامر اسحب دفتر التوفير الخاص بي و احاول ان احسب كم النقود الذي ينبغي لي توفيره.
المشكلة ان اية كمية اتمكن من توفيرها تبدو اقل من الكفاية دائما.بعد العام الاول قلت"هذا الكم،وكفى"لكني عندما حصلت الرقم المنشود وجدته فجأة ضئيلامتواضعا غير كاف.اعدت النظر في مخططاتي،ولكن عندما وصلت للرقم المنشود المعدل وجدت انه ايضا غير كاف!!!
وهكذا...انا ببساطة غير قادر على التوفير بما يكفي.انا انفق اقل القليلنوافكر في كل مليم قبل ان ادعه يذهبنولا ارتاد البارات الغالية ولا حتى المطاعم.ولااشتري لنفسي ملابس غالية،وكل ما ارتديه بجانب اليونيفورم وهو بالمجان على كل حال هو بنطلون من الجينز الرخيص،وحلة ينقصها زر و على المرفقين رقعتان. انا لا يمكن ان اكون مسرفا باية حال،ولكن بالرغم من هذا لا استطيع ان اطرد هذا الشعور الذي يراودني بان رصيدي في البنك لا ينمو بالسرعة الكافية و احس بنفاد صبري.
ليس الامر هو انني اريد ان اغتني واصير ثريا. كل ما اريده هوان استطيع ان اقول :حسنا، الآن لا يهم سواء اصبت بعاهة مستديمة او قررت الكسل بقية ايام حياتي فرصيدي في البنك كبير بما يكفيني طوال بقية ايام عمري. وعندئذ وعندئذ فقط يمكنني ان اتنفس الصعداء. سارقد في الحديقة العمومية واشعل سيجارا ضخما كبيرا،وابدء في الحياة.اعرف بالضبط ما سوف افعل. سأشتري قصرا يطل على البحر في الريفيرا الفرنسية ربما بالقرب من كان،قصرا به شرفات متعددة فسيحة وحجرات متسعة جميلة وسأقوم بتأجير حجرات القصر فقط للشابات الاجانب الجميلات ومعظمهن شقراوات ومعظمهن المانيات او سكندنافيات !!!
سأطلب رؤية جوازات سفرهن قبل ان اؤجر لهن غرفي و إذا وجدت ان اي منهن يتجاوز عمرها 25سنة سأهز رأسي في ادب وانا اقول بالالمانية"آسف ليس لدي حجرات خالية". وساشتري قاربا سريعا بموتور،سأستخدمه كي اقل ضيفاتي الى الشواطيء الرملية البعيدة. وفي المساءآخذهن الى الديسكو لاراقصهن.وهلم جرا والباقي تعرفونه!!!
المشكلة ان القصور في الريفيرا الفرنسية تبدو غالية بعض الشيء!!!
وعندما يعتريني شعور نفاد الصبر هذا او الحزن او سمه ماشئت،اسرع للعمل فعلي الاقل تمر الساعات بشكل اسرع اثناء العمل و كل ساعة مدفوعة الاجر.تلك الساعات الفارغة بين ساعات العمل تمتلأ بالقلق و الاضطراب و الانتظار و الجلوس في اماكن مجانية ما لم اخلد الى النوم. لو ذهبت للشاطيء اعود في حالة مزاجية سيئة،إذا ذهبت لاي مكان آخر فهذا يكلف نقودا...
وهناك شيء آخر بدأ في اقلاقي.احيانا اجدني وانا نائم او شبه نائم في المنزل يتملطني احساس غريب يدفعني للقيام والضغط على زر متخيل فوق رأسي. ونفس هذا الاحساس ينتابني وانا اتسوق او حتى وانا اتمشى في الشارع. في البداية كنت احب ان اعمل ليلا وانام نهارا.لكني الآن اجد ان الوردية الليلية منفرة ويزداد نفوري منها باستمرار. لااستطيع النوم اثناء النهار. ففي النهار تكثر الضوضاء في الشوارع،ولا يفصلني عن حجرة السيدة هورتي الا جدار رقيق،وكل 5دقائق اسمعها تصرخ "اعرف انه كان سيفعل هذا".و اخيرا عندما اسقط في النوم يستمر عملي في احلامي:انا في القطار،اضغط الزر،اجلس ،اقف.
معظم رحلاتي دائرية.ابدأ من المحطة الرئيسية،وانطلق بالقطار غربا ثم جنوبا فالى الجنوب الشرقي ومنه اعود الى القرب عن طريق الشمال وبعدئذ الجنوب مرة اخرى.وعادة اقوم بخمس جولات من هذه الدورة.او قد اذهب الى آخر محطة على الخط ثم اكر عائدا.
ولأن الخط يجري تحت الارض في المدينة فقط اما في الضواحي فهي محطات علويةتتشابه و لا تنتهي.وعادة احس انني ذاهب الى لا مكان.
يمتد على جانبي الطريق بحر لا ترى له آخر من الحدائق الخضراء والمنازل ذات السطح الاحمر،مهما كان اسم المحطة فان المنظر لا يتغير من النافذة نفس البحر الممل من المنازل والشوارع المتشابهة يمتد لمسافة 30كم او 40كم او 50 كم او الى مالانهاية كم.لقد انهيت كل هذا في عام واحد ،لقد سافرت مسافات تعادل نضف الكرة الارضية.شيء غريب حقا:السفر دون ان الوصول الى اي مكان!!!
توصل زملائي الى وفاق مع هذا النوع من الحياة.يتحركون مثل الاناس الآليين وهم يرتدون زيا موحدا بين القطارات الرجراجة والضواحي المتشابهة لمدة 50او60 ساعة اسبوعيا.والشيء الوحيد الذي يخيفهم على ما يبدو هو الراحة.
حسنا انا لن اقع في هذه المصيدة!!لايمكن. سيحين اليوم الذي تصل فيه مدخراتي الى المستوى الذي استطيع ان اقول عنده:كفاية. الى حين هذا علي ان اتحمل عذا النوع من الحياة.
منذ اسبوع صادفني حظ حسن على الشاطيء.كانت هناك فتاة شقراء متموجة الشعر تتشمس بمفردها.ليست رائعة الجمال ولكن لديها تضاريس جيدة مقبولة على الاقل. استجمعت كل شجاعتي ومررت امامها نحو البحر.سمعت خطواتي على الرمال و شاهدت ظلي يمرفوقها وانا امر امامها. بالرغم من انني لست متأكدا الا انني واثق من انها جلست من وراء ظهري وتابعت تقدمي نحو البحر واهتمت اهتماما خاصا باكتافي العريضة و ردفي وهي اجزاء استطيع بلا فخر ان افتخر بانها من افضل اجزاء جسدي.
انا ايضا واثق تماما انها شاهدتني وانا اقف بلامبالاة كما تقول الناس بالقرب من الماءوكيف ادرت وجهي وكأنني انظر الى الشمس-كنت اريد ان اجعلها تشاهد المنظر الجانبي او البروفيل كما يقولون وهو من مناظري التي يحق لي ان افتخر بها.
وانا اقتفي اثار خطواتي عائدا كانت راقدة على بطنها تقرأ كتابا،لكن عندما مررت بها رفعت رأسها واعطتني ابتسامة خاطفة.اندهشتبل صدمت حتىوتجمدت متحولا الى تمثال في التو واللحظة.حاولت ان ارد الابتسامة لكن وجهي تصلب فلم استطع اخراج اي شيء الا تقطيبة غبية،يعلم الله ماذا ظنت. لقد خجلت حقا من نفسي حتى انني اسرعت بجمع ثيابي وانصرفت.
انا الآن اعود للشاطيء في كل لحظة فراغ اغتنمها. واجوس الشاطيء من اوله لآخره بحثا عنها. لم اراها حتى الآن لكني متأكد انها سترجع يوما مالقد بدأ الصيف لتوه.عندما اراها ثانية لن اتردد بل ساتقدم منها واقول بصوت رجالي خشن"الم ارك في القطار بالامس؟ يمكنني ان اقسم انني رأيتك تركبين من المحطة الرئيسية؟"
ثمة اشياء اخرى حدثت في الآونة الاخيرة وليست جيدة.لقد خفض البنك الفائدة على المدخرات بمقدار وصل الى 2% بين عشية وضحاها ودونما سابق انذار والحق يقال انا لااعتقد ان ثمة طريقة ابشع من هذه لمعاملة العملاء.وقدم البدين الذي حاولت ان افثأ كرشه المليء بالبيرة شكوى ضدي وساواجه لجنة تأديب.ايضا فالمصائب لاتأتي فرادى حولوني الى مجموعة عمل جديدة يقل العمل فيها ايام الاحاد.
لكن اسوء شيء هوانه ليلة امس سكرت السيدة هورتي بشدة وقالت لي ان بامكاني تمضية الليل معهاإذا احسست بالوحدة في حجرتي،كيف سأخرج من هذا المأزق،لا اعرف !!
اليوم استطعت ان اغتنم لحيظات قليلة كي اتناول غدائي في المطعم الصغير القريب من الميناء.وعندما اقبلت نحوي ميلينا حاملة الحساء المعتاد ابتسمت وفتحت فمها لتسألني السؤال المعتاد لكني بادرتها قائلا"اهلا ميلينا هل اغتنيت؟" استطعت رؤية يدها تتوقف لحظة قبل وضع الحساء على المائدة ثم اجبرت وجهها المليء بالنمش على الابتسام ابتسامة تحمل من المرارة عشر اضعاف ما تحمل من الحلاوة وقالت"عام آخر او عامين يا يانش عام آخر او عامين".