القصة هنا توضح انتصارا صغيرا يحققه الفلاح المقهور على رمز صغير من رموز القهر وبمساعدة من الرموز الاكبر
ومن هذه الانتصارات الصغيرة يصنع احمد عالمه الموازي ويحكي لنا كيف يتقبل هذا الفلاح الماكر المراوغ قهر السنين وينسجه في جلبابه الممزق المليء بالرقع!!!مش مراته يا تور.عندك حق يا باشا
مرتى يا حمار … مرتى يابهيم
وقع الصول النوبتجى عبدالعال البرماوى ( ذو الشارب الأطول المبروم ) فى حيص بيص عندما جاء له المخبرون بعمّ التهامى وزوجته مسلسلين فى الحديد بتهمة هدم حائط واعتداء على جيران. فى مثل هذه الحالات يسعى أعضاء المجالس الشعبية والمحلية مع المحامين لدى النيابة ويخرج المتهمون بكفالة ريثما يفصل القضاء فى الموضوع . وكان من الممكن أن يتغاضى المخبرون وينتظرون للصباح لو أنهم هبشوا خمسة جنيهات ، لكن من أين وعمك التهامى حلاّق بالمساناه ، لا يأخذ نقوداً إلا نادراً لو حلق لموظف ، فمعظم زبائنه فلاحون ، يأخذ أجره منهم آخر العام أرزاً وأذرة مع خضروات للطبيخ طوال السنة ، ولأنه حّلاق فهو على حد التعبير الشعبى تلم وبارد وأصقع من ماء طوبة ولسانه طويل فلم يمهله المخبرون للصباح ….
وأعضاء المجالس عادة ما يهتمّون بذوى الحيثية أما الحلاق فهو عندهم جناح بعوضة لاقيمة ولا سيمة ( من السيمياء وليس السينما فشكله يغنى عنه وطول لسانه ربما يخفى به دمامته حتى لا يمسك أحد سيرته ) .
أما وقد جاء به المخبرون فى الساعة السابعة فكان حتماً ولابد أن يُمضى ليلته بالقسم ، وقع الصول فى حيص بيص لأنه منذ بدأ الترميم فى مركز الشرطة لم يصبح السجن إلا غرفة صغيرة للطوارئ .
فلم تعد هناك العنابر المخصصة للرجال والنساء والحبس الانفرادى للخطرين ( المتطرفون والخطرون يُرحّلون فوراً إلى سجون العاصمة ودائماُ فى الفجر والناس نيامُُ) اتصل بالمأمور ليحل المعضلة أو لينصح بحجز الرجل و إطلاق سراح المرأة بضمان زوجها ( ويبقى عمل جميلة فى الحلاق يحلق عنده مرّة ولا اتنين ببلاش ) لكن المأمور سأل هل تم تسجيلهم فى الدفتر؟ نعم يا باشا متأكد إنها مراته؟ أيوه يا باشا خلاص ، فيها إيه ، احبسهم فى نفس الأوضة للصبح ، دا ساعتين يا عبدالعال يا حمار ، مصحّينى من النوم علشان حاجة تافهة زيّك؟ … وقذف السمّاعة فى وجه النوبتجى المهاب .
ولم يكد ينسى إلاهانة ويحلم أن محمداً ابنه سيكبر وسيدخل الشرطة ويصبح مأموراً لكنه سيكون مؤدباً وعارف ربّه ، لا يأخذ رشوة ولا يعامل الناس إلا بالذوق والإنسانية ، فكلنا أولاد تسعة ، وأكرمكم عند الله أتقاكم ، إلاّ ويتناهى لسمعه آى … حرام عليك … بالرّاحة … قلبت بطنى … طب بلاش من ورا فز عبدالعال من مكتبه وأفاق من تعسيلة الحلم اللذيذ وتتبّع مصدر الأنّات والتأوهات ، فقد حسب أن أحدً بلغ به الفُجر أن يعتدى على حّرمة بجوار الشرطة التى هى فى خدمة وحماية الشعب ، لكنه كلما ذهب خارجاً ، ابتعد الصوت فعاد أدراجه غرفة الحبس وما كان يظن أبداً أو يتوقع ما رأى … فالتهامى - بسلامته - يأتى زوجته .
بتعمل إيه يا حيوان إنت وهىّ؟ دى مرتى ياحمار بتعمل إيه ياحيوان؟ بأعمل ايه؟ بأقولّك مرتى يابهيم وحالاً أوصد الصول الطيّب الباب ، واتصل ثانية بالبيه المأمور وهو يتوقع أن يقترح عليه أشد أنواع العقاب للصداغة وغياب الحياء وإهانة كرامته وكرامة المركز لكن المأمور الغاضب الحانق هو أيضا ، وإيه يعنى هى مش مراته يا حمار؟ بتصحينى تانى علشان حلاق نايم مع مراته يا تور؟ وقذف السماعة هذه المرة أعنف من الأولى .
والغريبة أنه بينما كان الصول مجروح الكرامة غارقاً فى الإهانة من الحلاق والمأمور على السواء ، كان التهامى يتغلب على مرارة الحبس بالغوص فى نهر العسل طوال الليل …
وكلما ورد حادثُُ يُذكر فيه الصول عبدالعال أمامه أو سيرة ابنه الذى لم يكمل تعليمه وصار ميكانيكى موتوسيكلات ( تعلّمها من إصلاح موتوسيكل المركز عهدة أبيه ) كان التهامى يترحّم عليه ويضحك ويحكى للحضور والله ما سلتُّه … كّملت مع خالتك أم سعيد وأنا عمّال أغيظه … دى مرتى يا حمار … دى مرتى يا بهيم …
No comments:
Post a Comment