Friday, December 08, 2006

كتيبة الاعدام


كتيبة الاعدام

ركبنا دراجتينا في الصباح التالي وذهبنا الى باتان , التي كانت تعرف قديما في ايام العز الخوالي باسم لاليتبور او مدينة الجمال. رغم اننا كنا قد امضينا قرابة الستةاشهر في رحلتنا تلك في الهملايا, كان مايزال لدينا الامل في رؤية "السحر" , و"البراءة" , و"الاختلاف".

ولكن كان هذا الامل يتلاشى مع كل خطوة نخطوها على الطريق غير الممهد ونحن نتفاوض مع الكلاب و الدجاج و اكوام الفضلات في كل مكان كي نشق لانفسنا ممرا وسطها.كنا قد بدأنا ندرك ان توقعاتنا ستصطدم مرة اخرى بصخرة الواقع المر. فباتان ليست الا مجرد بلدة سوق صغيرة بها مجار مكشوفة وبيوت شبه مهدمة, وقد تراكم غبار الهملايا على جمالها القديم فدفنه.

ترجلنا وبالقرب من اكشاك مهدمة وعربات مكشوفة لبيع الطعام في ميدان صغير. وجلت بناظري في المكان بحثا عن مكان نترك فيه العجلات المستأجرة. ومن ثم نستطيع المشي و الفرجة. كان صاحب الدراجات قد حذرنا في كاتماندو العاصمة قائلا" ارجو الا تظنا ان كل اهل نيبال يعشقون المشي", وبينما نحن واقفان نتفكر فيما سنفعل اقترب منا طفل صغير حافي القدم تاركا مجموعة من الاطفال كانت تلعب غير بعيد عنا. كان مترددا وهو يقترب اكثر. كانت انفه الجارية تحتاج لمنديل بشدة. وكانت قلنسوته المهترءة الباهتة مائلة على جانب وجهه فبدا وكأنه متشرد اصيل.

عندما اقترب اكثر تشجع وحيانا بابتسامة.

قال"جرر,برر ,جررر"ثم اضاف بسرعة" جاجا جا, جررررررررر إك إكك برر ". وعندما لاحظ نظرة عدم الفهم والدهشة في عيوننا , اقترب اكثرو اكثر واكد مايقول " جررر بررر إك إك بررررر".

كان من الواضح ان الولد يحاول ان يقول لنا شبئا بلغة غريبة بدت وكأنها مزيج من عشرات اللغات. أمسك مقود الدراجة واخذ يجذبها من يدي. ثم تركها وجرى الى حائط قريب وخبط عليه بيده عدة مرات . وقال باصرار"بررررجررر إك بررر"

بالطبع! لقد راى الفتى حيرتنا , وقد اقترب منا ليمنحنا النصيحة. كان من الواضح انه يقترح علينا ترك دراجتينا على الحائط حيث ستكون في امان, كما حاول ان يؤكد من خلال تعبيرات وجهه.

ولعدم وجود بديل آخر فعلنا ما وصلنا من اقتراح. وشجعه هذا على عرض المزيد من المساعدة . فبينما كنت انحني لاربط الدراجة بسلاسل قديمة وجدت وجهه منبثقا من بين قدماي وهو يقول "برر,جررر"و اخذ يجذب سروالي. اختطف المفتاح من يدي واخذ يصارع القفل القديم الصديء حتى اتم المهمة, من ثم تحول لمهاجمة القفل على دراجة زوجتي. وقاوم هذا لفترة اطول لكن تصميم الصبي كان اقوى.

عندما انتهى اعلن في حبور ونشوة "جررر بررر" . ولما بسطت كفي لآخذ المفتاح, هز رأسه واخفاه خلف ظهره , وبسرعة دنا مني واسقطه في جيبي بمهارة. واخيرا تراجع خطوة واخذ يمعن النظر فينا وكأنه في انتظار علامات الاستحسان.

ابتسمت وداعبت ذقنه.تنفس الصعداء وزفر زفرة المرتاح , ثم اطلق ضحكات عالية متلاحقة, اتبعها بعدة قفزات في الهواء, وبعد ان هدء سألته" ما اسمك؟".

فشل في الاجابة , فقد كان مشغولا بعرضنا على اصدقائه الذين هرعوا ليرى ماذا يحدث؟ كررت السؤال , ومرة اخرى لا اجابة. وادركت زوجتي ان الصبي اصم وابكم.

حركت شفتاي في بطء شديد وكررت السؤال" ما اسمك؟". اغرورقت عيناه بالدموع . لم يعد قادرا على اسعادي . وبدا كما لو انه قد ارتعب من هذه الفكرة. التفت لاقرانه, ولكنهم كانوا عاجزين مثله. فجأة حذرت فتاة صغيرة ماهرة ماذا اقصد. فصرخت " اوكي" واشارت لصديقنا الصغير ذو الانف الممخط "اوكي".

واحس الصبي براحة شديدة فضحك في سعادة بالغة و اضاف مؤمنا على ما قالته"جرررجرر بررإك" وقبض على يدي وأخذ يشدني عبر الميدان. لقد قرر ان يفرجنا على البلدة وماتحتويه من اثار . وليجعلنا نفهم اخذ يرسم باصبعه في الهواء رسومات لما بدا انه تماثيل ونقوش و مبان. وقادنا عبر زقاق جانبي و من تفريعة مختصرة الى الميدن الرئيسي في البلدة. كان الميدان محاطا بمعابد مذهلة , اجمل و اكبر و اكثر دقة من اي معبد رايناه في نيبال . كان المشهد يأخذ باللب حقا. لقد عادت مدينة الجمال للحياة!!!

اشار الصبي للمعابد شارحا لنا ما نراه وهو يحس بالاهمية" جررجررر بررر إك ". تلك بلدته وهذه المعابد معابده , وهو يمتلك كل هذا الجمال . وهو يقدمه لنا كهدية.

تبعناه وهو يلف بنا الميدان منتقلا من معبد لآخر , نتوقف لندعه يرينا عامودا مثيرا او تمثالا مذهلا او ليلفت انتباهنا لنقش بديع فاتنا.كان يسمتع بدور المرشد و يغمغم في حبور من آن لآخر" جررر, بررر, بررر".

بين الفينة والاخرى يلقي بنظرة خاطفة على وجوهنا , كان يخاف من ان نحس بالملل. وكلما لاحظ اننا قد بدأنا نفقد الاهتمام كان يخبط رأسه بكفه , وكأنه يقول آه نسيت هناك تحفة اثرية اخرى اود لو شاهدتموها. وكي نجعله يحس بالسعادة كنا نظهر اهتمامنا بكل ما يشير اليه حتى لو كان مجرد جدارا مهدما.

وسرعان ما ادركنا ان لهفة اوكي على القيام بدوره لم تكن خالصة فقد كان يتوقع ان يكسب روبية او اثنتين عند نهاية الجولة. فمع اثماله المهلهلة كان مؤهلا بكل تأكيد لكسب تعاطف حتى اكثر الاجانب بخلا. دخلا باحة الحمام الملكي حيث وجدنا جنديا فردا يقف حراسة. كان من الواضح انه صديق اوكي.

عندما دخلنا حياه اوكي"جرررجررر" ووقف امامه في وضع الانتباه ورفع يده بالتحية العسكرية. ضحك الجندي الشاب وحياه بدوره. وبعد جولة سريعةفي الحمامات الملكية, قررنا ان نرتاح قليلا. جلسنا على خشبة كبيرة بالقرب من المدخل. كانت زوجتي قد اشترت بعض الموز و قررت ان تقدم شيئا منه لاوكي.

لم يكن مدركا تماما ماذا يفعل به. فضحك وضحك ثم اتخذت سحنته مظهرا جديا ثم ضحك ثانية. اخيرا حاول ان يشرح لنا ما يفعل وهويضع الموزة في الحبل المتآكل الذي يربط به سرواله"بررربربررجررإك"وبابتسامة خجلى افهمنا انه ينوي الاحتفاظ بالموزة ليأكلها في وقت لاحق. وفورا اعطته زوجتي موزة اخرى. واربكه هذا اكثر واكثر. حاول اولا ان يحتفظ بالثانية مع الاولى , ثم غير رأيه. اوهكذا ظننا ولكنه تردد مرة اخرى وكان من الجلي انه شديد الحيرة. اخذت زوجتي الموزة من يده, وقشرتها, وقسمتها نصفين ووضعتهما في يده. الآن لم يعد لديه خيار . كان يحمل نصفا في كل يد واخذ يأكل بشراهة واستمتاع واضحين.كان يقضم من كل نصف قضمة بالتبادل. وعندما انتهى امضى لحظات سعيدة اخري في لعق اصابعه باستمتاع شديد. ثم جذب الموزة الاولى من مكانها في سرواله واخذ يتأملها في نشوة وعلى شغتيه ابتسامة شاكرة. واخيرا اعادها لمكانها السابق وقال" جرررجررر برر" وبالتأكيد كان يقصد على المرء ان يفكر في المستقبل.

عندما وقفنا لنغادرالمكان انزلقت الموزة من مكانها وسقطت من فتحة سرواله الى الارض ولم نملك انفسنا من الضحك و بعد تردد قصير شاركنا اوكي في الضحك بدون ادنى خجل وكأنه يشكرنا على اتاحة الفرصة له للمشاركة في مناسبة سعيدة.

اخذ الموزة و تحول للجندي سائلا"جرررجرربرر,إك إك؟" كان يشير باصبعه نحو الباحة الخالية. وما ان هز الجندي رأسه موافقا حتى هرع اوكي واخفى الموزة خلف قطعة خشب كبيرة.ثم هرع الينا وقبض على ايدينا واخذ يشدنا نحو المخرج.

فجأة تكلم الجندي"يتيم" واردف" احترق منزلهم ومات الجميع ولم ينجو الا اوكي"

سألته زوجتي" اين يعيش؟"

رد الجندي ببساطة"في كل مكان" وتابع" احيانا عندما يكون الجو حار ينام هنا , احيانا تجدونه في السوق , اي مكان"

رحلنا لنكمل الفرجة, والزيارة. لكن كان من الواضح انه لم يعد هناك شيئا جديدا يستحق ان نراه. ايضا كان حماس الصبي قد بدء في الفتور.بدا متعبا و أخذ يتململ. كان يريد الحصول على مكافأته ليستطيع العودة لاصدقائه,ولمالم نجد اي قطع معدنية معنا ولاننا احببنا الطفل ولان العملة هناك بلا قيمة, اعطيناه ورقة نفدية من فئة العشرة روبيات. شحب لونه وانتفض جسده. وامسك بالعملة ومررها امام اعيننا متسائلا "جرررججرررربرر؟" هززنا راسينا ان نعم, الورقة من نصيبك. لم يكن يستطيع ان يصدقما حدث.اصرينا انها حقا ملكك.احتفظ بها اصرفها. ولاقناعه اننا نعني مانقول , اعطيناهورقة نقدية اخرى من فئة الروبيات العشرة.

الآن صار ارتباكه كاملا" برررجرررجررجرججر؟". اكدنا نعم الاثنان لك.خذهما. انفرجت اساريره لتعبر عن مزيج من الفرح والعرفان بالجميل. حمل ورقة في كل يد ورفع يديه عاليا واخذ يرقص عبر الميدان. وعرض الجائزة على اصدقائه المذهولين والذين التفوا حوله واخذوا يتبعونه على طول الطريق, والكل يصرخ وبضحك, يشرحون لكل من ينصت لهم كيف كسب اوكي كل هذا المال. وكانت الناس تبتسم وتربت على رأس الولد المحظوظ وكان اوكي يصحح وضع قلنسوته بين الفينة والاخرى مخافة وقوعها من على رأسه.

في هدوء ركبنا دراجتينا,وانطلقنا.وعلى مسافة حوالي ميل من البلدة, وفي منتصف تبة كنا نتسلقها فقدنا كل ماتبقى بنا من طاقة , ونزلنا من على الدراجات. وبعد عشر دقائق وعلى قمة التل التفتنا خلفنا كي نلقي نظرة اخيرة على باتان. ورأينا خلفنا على مسافة بضعة امتار الصبي الصغير الاصم الابكم . كان محتقن الوجه من الاعياء و الاحساس بالذنب والخجل. وظل ينقل ناظريه بيننا منتظرا رد فعلنا والى اي شيء ستتحول دهشتنا : الفرح ام الغضب. ثم وف ي محاولة منه لمساعدتنا اطلق ضحكة رعناء خجلى تبعها بمحاولة بائسة للتفسير"جرر,جاجا بررجر"

وببطء تحولت النظرة المتسائلة في عينيه الىنظرة حزينة. كان متعبا , وكانت خصلات شعره المجعد تبدو من تحت قبعته مبتلة من العرق. حاولنا ان نقنعه بالعودة لباتان بأستخدام كل الاشارات التي نعرفها. كاتماندو كبيرة جدا و قد يتوه هناك. وسنذهب للهند ولن يكون بوسعنا ان نعتني به ولا نستطيع ان نأخذه معنا.كان كل ما وصله هو اننا نعيده للبلدة و نرفضه.

فجأة لمعت عيناه وهرع نحوي وخلع قبعته واستخدمها لمسح حذائي ثم اتجه لزوجتي واخذ يمسح نعليها و اخيرا قلبها واخذ يلمعالاجزاء البراقة المصنوعة من الكروم في دراجتينا.

قلنا"للاسف,لابد ان ترجع". واعتلينا دراجتينا و انطلقنا. لكن صوت القدمين الصغيرتين تعدوان على الحصى المدبب , رقق من قلوبنا. ولابد ان الصبي كان يعرف ان هذا سيحدث. انتظرناه حتى لحق بنا. وعندما وصل الينا خانته قدماه وانهار على الارض.لم تعد ثمة قوة في جسده النحيل الا ليغمغم سعيدا" بررر جرررإكإك"

حملته على قضيب الدراجة وانطلقنا صوب كاتماندو . التفت الي , وكانت عيناه ممتلاتين بالراحة والعرفان بالجميل. ولكن كان ثمة شيء آخر فيهما. شيء صدمني واذهلني . وكأنه الحب الخالص. ومرة اخرى قهقه ضاحكا سعيدا.

كنا نزمع اخذه الى كاتماندو , وجعله يشاهد المدينة ثم نشتري له طعاما و عند المساء نعيده الى باتان.لكن فرحته بالتواجد في مدينة كبيرة كانت اكبر من الوصف ولذا قررنا ان نبقيه معنا لمدة ليلة. فأخذناه لفندقنا , واعددنا له حماما, وخلعنا ملابسه, ووضعناه في البانيو. كان مرعوبا في البداية, وحاول محاولة بائسة ان يقفز من البانيو , لكنه هدء شيئا فشيء , بدء في الاستمتاع بالتجربة الجديدة.وبعد قليل كان يصرخ فرحا مستمتعا بالحمام وينثر الماء في كل مكان.

أخذناه الى اقرب محل ملابس وابتعنا له قميصا جديدا و بنطالا جديدا وحذاءا من الجلد الطري.

انقلبت سحنته وتجهم وجهه بشكل غير طبيعي.كان يحس بالغربة في ملابسه الجديدة.و اعترض بشدة عندما جمع البائع اثماله المهلهلة ووضعها في كومة لرميها في القمامة.صرخ فيه قائلا"جرررججرررجررر".

جمع اوكي حاجياته بعناية وضمها لصدره بقوة.كان العالم العجائبي الذي دخل فيه يخيفه بشدة.و كانت تلك الاثمال هي رابطته الوحيدة مع ماضيه, كل ماتبقى لديه من ذكريات ذلك العالم الذي تركه خلفه.

قرب العشاء اصطحبناه الى مطعم صيني. في البداية رفض ان يصدق ان الاطباق الساخنةالتي يتصاعد منها البخار هي طعام حقيقي. اخذ يفحص كل طبق فحصا مدققا باطراف اصابعه. وعندما بدأنا الاكل صح لديه اليقين ان الطعام الموضوع امامنا هو لي ولزوجتي فقط. وفقط عندما غرفت له زوجتي من كل الاصناف في طبقه استجمع كل شجاعته و امسك بالملعقة .

لكن ما ان بدأ الاكل لم يعد من الممكن ايقافه.

كان يحمل الملعقة وكأنها سكين, وكان يأخذ الطعام من الطبق الى فمه بشكل متعرج حيث فمه هو الهدف الصعب والذي كان يخطئه اكثرمما يصيبه. وبعد قليل كانت الشعرية وقطع اللحم الصغيرة تغطي وجهه ,وقميصه الجديد و بنطاله.وفجأةتعب اثناءطبقه الثالث وانحنت رأسه على طبقهونام دون ان يترك الملعقة تفلت من يده.

حملناه للفندق.ونزعنا عنه ملابسه وغسلنا يديه ووجهه, ووضعناه في الفراش. فنام مثل قطعةالخشب. واستيقظفي منتصف الليل.كان شديدالانزعاج وصرخ"جررررجررربربربرربر"

لم يكن يعرف اين هو. وبأت اصابعه الصغيرة تستكشف الجو المحيط بها. وعندما وجدتا ذراعي توقفتا للحظة ثم استمرتا . فوجدتا رسغي, واناملي , وابهامي وبعد تردد قليل لف اصابعه حول ابهامي بشدة.واقترب وجهه حتى صرت قادرا على الاحساس بنفسه الدافيء الذي مايزال معبقا برائحة الطعام الصيني.و همس في اذني مرتاحا"إك إك جررر برر"

في الصباخ اخذناه في نزهة ليتفرج على المدينة. شاهد القصر الملكي . خرجت ثلاث فيلة ضخمة جميلة مزينة بالحلي من البوابة الرئيسية . صرخ اوكي فرحا. وكان علينا اقتفاء خطوات الفيلة لمدة عشر دقائق. وبينما نحن نتمشى في وسط المدينة اندفع وكأنه ممسوس وأخذ يقفز في الهواء ويشيرلهذا وذاك ويضحك ويشرح و يتعجب.في لحظةصار هو دليلنا في كاتماندو.

استأجرنا ريكشو(1) . وبينما اخذ السائق يناور وهو يشق طريقه في شجاعة وسط الزحام , كان اوكي يستحثه و يصرخ فيه وكأنه يعطيه تعليمات. كان يقفز و يتحرك وينط في كل مكان حتى صار من العسير منعه من السقوط. كان يصرخ ويصفر و يضحك في آن. كان العالم , ذلك العالم الواسع المدهش بدور من حوله مثل حلزونة كبيرة في مدينة الملاهي. كان اسعد انسان على ظهر الارض. وبقى معنا ليلة اخرى.

فيالصباح التالي ركبنا الدراجات لنزور معبد القرد(2).تأثر اوكي بالقبة الذهبية تأثرا عميقا فظل صامتا يتأملها في خشوع لمدة عشر دقائق. استمتع بمشاهدة القردة ايما استمتاع, ولكن ما ان انفلت احدهم من المجموعة واخذ يقترب منه ,صرخ وارتمى في حضني . كان سعيدا عندما اتجهنا نحوالدراجات التي كنا تركناها على سفح التل.

قال بينما كنت اضعه على قضيب الدراجة"جرررجررربر". تركنا طريق كاتماندو و اتجهنا الى الجنوب على طريق مترب غير ممهد. لم يبد اوكي اي علامة على انه قد تعرف على الطريق.ولا انه عائد معنا الى باتان.بدأ يدرك العلامات المألوفة فقط عندما دخلنا في ازقة جانبية ضيقة. بدا مندهشا, وفرحا . فما زال العالم القديم هناك. كما كان لم يتغير. عندما وصلنا لباحة السوق لمح مجموعة من اصدقائه. انفجرصارخا"جرررجرربررربرر" واخذ يلوح بيديه في جنون. تعرف عليه الاطفال و اندفعوا نحوه وهم يرحبون به صارخين فرحا. وعندما ترجلنا كنا محاصرين تماما.كان الاطفال متلهفون على لمس قميصه الجديد وبنطاله النظيف و يريدون التأكد من حذائه. ذكروني بسلوك اوكي في المطعم الصيني , كان مثلهم يريد لمس الاطباق قبل ان يأكل لبتأكد انها حقيقة واقعة.كان اوكي سعيدا لاعجاب اصدقائه به . كانالفخر مرسوما على وجهه بعناية فائقة, لقد انجز,لم يكن ثمة اي نوع من التعالي في سلوكه , ظل صديقا ودافئ.

ثم بدأ في شرح مطول سريع حيث كانت الاصوات تتدفق من فمه وكان ذراعيه لا يهدآن محاولا ان يرسم في الهواء كل العجائب التي رآها , الافيال و القرود, والقصور وكل شئ, كل شئ.

وفي حذر, ارتقينا دراجتينا و بدلنا خارجين من الباحة. اوقفتنا صرخة تقطع القلوب. وبعد لحظة كان اوكى الى جانبي , يشد بنطالي محاولا ان يجعلني اترجل.كان يحملق في غير مصدقا لما حدث.ثم اندفع نحو زوجتي ليجعلها تنزل عن الدراجة. ثم عاد الي و امسك بالمقود وبخفة وضع نفسه على القضيب.كان يريد ان يظل معنا ويذهب معنا الى كاتمندو,و كل مكان .

استعطفنا قائلا"جرررجررربرررر"

حاولت ان اجعله ينزل, لكنه كان يرفض ان يترك المقود. كانت كل قوته قد تركزت في اصابعه الصغيرة. واخيرا نجحت في ابعاد احدى يديه عن المقزد.لكن ما ان بدأت انزل الاخرى عادت الاولى لوضعها قابضة على المقود بقوة.

ثم و بشكل غير متوقع خضع.كما لوكان بالونا قد خرج منه الهواء . صمت وارتخت يداه ونزلتا الى جانبه. ولم يعارض عندما وضعته على الارض. للحظة ظل في مكانه محاطا باصدقائه المندهشين.محملقا في قدميه. ثم ببطء رفع رأسه وحدق في وجهي .

هل تلك هي النهاية حقا؟ وما ان ادرك انها كذلك, خفض رأسه مرة اخرى واستدار و مشى عبر الميدان نحو اقرب حائط.وعندما وصل هناك استراح بظهره عليه و اسند راسه على الحائط , واغلق عينيه واشاح بوجهه بعيدا عنا. وظل في مكانه دون حراك.

ذهبت زوجتي لاقرب دكان واشترت موزا . واعطت الموز لاوكي واضعة الحمل في حجره. فتح عينيه و غمغم شيئا "جرررجرجررجرر" ثم اغلقهما مرة اخرى . مشيت نحوه وانحنيت عليه ووضعت في يده ورقة من ذات المائة روبية. نظر اليها بلا مبالة.وظلت يده جامدة بلا حياة.فوقعت الورقة النقدية على الارض.داعبت ذقنه كنت اريد ان ارفع من روحه و اداعبه. كنت اريد ان اراه يضحك. رفض ان ينظر الي . قبل ان نغادر الميدان استدرت ونظرت اليه.كان مستندا على الجدار وكأنه سجين اطلقت كتببة الاعدام عليه الرصاص.


17 comments:

Malek said...

الى الصديق ايماتيور كده ياعم تاخد تذكرة بلاش على كل التدوينات بتاعتي وبتاعة وليد كمان

والى الدكتور خالد احسن يكون زعلان مننا
والى الصديق الدكتور احمد داوود فوجوده الجميل قد انحرمنا منه بسبب العمل المتصل

واخيرا الى الدكتورة ايمان لفتة جديدة

orthos said...

كتاباتك رائعه

استمر

Malek said...

شكرا. لكن دي مش كتاباتي
دي اختيارات
ترجمة و اختيارات من كتابات اصدقاء اعتقد انهم لم يأخذوا حضظوظهم لاسباب عديدة
اسامة القفاش

eman said...

اكره هذ النوعية من القصص.
اكرهها وبشدة

جملة قالتها صديقة لى عندما شاهدت فيلم
bridges of madison county

" ان لم تكن تستطع - ميريل سترييب -ان تترك بيتها, فما كان الداعى لقضاء هذه الاربعة ايام مع المصور الذى احبته "

انت لا تستطيع ان تفتقد شيئا لا تعرفه !

ان لم تكن لهما اى نية بأن يأخذا الطفل معهما , فما كان الداعى لأن يذيقاه طعما مختلف للحياة من البداية؟؟

....................
اشكرك يا دكتور على الأهداء

Anonymous said...

مؤلمة جدا يا دكتور .. اكثر ايلاما من قصة "ابدا" .. كلام الدكتورة ايمان ذكرنى بصديقى هشام والذى اذا رءانى "ابسبس" لقطة جميلة نهرنى قائلا " اذا كان معكش اكل تديهولها بتبسبسلها ليه ؟ سيبها تدور على اكل فى حتة تانية ومتعطلهاش"
.
.
شكرا يا دكتور على الاهداء الثالث شكرا جزيلا

Anonymous said...

مؤلمة جدا يا دكتور .. اكثر ايلاما من قصة "ابدا" .. كلام الدكتورة ايمان ذكرنى بصديقى هشام والذى اذا رءانى "ابسبس" لقطة جميلة نهرنى قائلا " اذا كان معكش اكل تديهولها بتبسبسلها ليه ؟ سيبها تدور على اكل فى حتة تانية ومتعطلهاش"
.
.
شكرا يا دكتور على الاهداء الثالث شكرا جزيلا

Anonymous said...

مؤلمة جدا يا دكتور .. اكثر ايلاما من قصة "ابدا" .. كلام الدكتورة ايمان ذكرنى بصديقى هشام والذى اذا رءانى "ابسبس" لقطة جميلة نهرنى قائلا " اذا كان معكش اكل تديهولها بتبسبسلها ليه ؟ سيبها تدور على اكل فى حتة تانية ومتعطلهاش"
.
.
شكرا يا دكتور على الاهداء الثالث شكرا جزيلا

Anonymous said...

مؤلمة جدا يا دكتور .. اكثر ايلاما من قصة "ابدا" .. كلام الدكتورة ايمان ذكرنى بصديقى هشام والذى اذا رءانى "ابسبس" لقطة جميلة نهرنى قائلا " اذا كان معكش اكل تديهولها بتبسبسلها ليه ؟ سيبها تدور على اكل فى حتة تانية ومتعطلهاش"
.
.
شكرا يا دكتور على الاهداء الثالث شكرا جزيلا

Malek said...

العفو يا ايماتيور هي فعلا مؤلمة جدا
معلش يا دكتورة ايمان
القصة جميلة جدا وكونك اتأثرتي بشدة كده دليل على جمالها ارجو التفرقة بين مستويات ثلاثة
الاول الواقع والثاني العمل الفني والثالث الترجمة
يعني
الواقع مؤلم جدا
العمل الفني تطهري يعني بيدينا فرصة نحس بآلام وعذاب آخرين ونسمو نتطهر
الترجمة عملية نقل
تحاول قدر الامكان ان تكون وسيطة بين الحضارات
ماشي يا جماعة؟؟

Anonymous said...

أنا آسف يا دكتور على التكرار .. بس النت بايظة عندنا فى مصر ولما كتبت الرد الاولانى مظهرش وادانى رسالة خطأ وكرر الموضوع ده ثلاث مرات فسبته خالص لمدة اربع ساعات وجيت احاول تانى .. لقيته رص الاربع محاولات ورا بعض !!!
ودلوقتى مش عارف امسحهم طبعا !!
منهم لله بتوع الانترنيت فى مصر .. دايما فاضحينا كده .. تلاقيهم مدفعوش اشتراك الوصلة للفرنساويين

Malek said...

no problem immature
regards
Ossama

bluerose said...

رائعة فعلا يا دكتور
في فترة كنت باحاول أتعلم كيفية ادارة المؤسسات الغير حكومية استعدادا لتكوين جمعية أهلية
و من ضمن ما فعلت كنت أسمع تجارب مؤسسي جمعيات نشيطة جدا
ما أجمع عليه الجميع : لا تبدأ بمساعدة محتاج للمساعدة ثم تتوقف , لأن النتيجة أسوأ من تركه دون مساعدة , و هاتلاقيه يدعي عليك عشان "عشمته و خذلته"على حد تعبيرهم

اختياراتك للقصص متميزة بجد يا دكتور

مودتي

Anonymous said...

زعل مين بس ياعمنا..؟؟ أظن أننا أنضج من ذلك.. أنا بأنكشك عشان أفهم أكتر..!! وأنت أنسان ذكى وفاهم الفوله..صح يادكتور..شكرا على اﻷهداء بس أنا حاخد على كده...فعلا قصه مؤلمه لكنها واقعيه مش بيقولوا الطريق الى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنه..قفز لذهنى ماأعرفش ليه موضوع تانى..من كذا سنه كنا بنشترى لعبه ﻷبنتى ساره فأقتربت مننا سيده كنديه- فرنسيه وطلبت مننا بأدب طبعا ألا نشترى هذه اللعبه ﻷنها مصنوعه فى الهند بواسطه أطفال..!!سويت شوب ياعنى..!!وعينك ماتشوف ألا النور نائله مراتى -الفمنيست اليساريه ـ فتحت عليها بالفرنساوى الباريسى الأصيل ودرس فى اﻷخلاق..ملخصه مش اﻷول نعمل لهم مدارس ونضمن أنهم لما يطلعوا من الورش دى مش حايموتوا م الجوع أو يتحولوا للدعاره والسرقه مثلا....الخ الخ واﻷهم أننا هنا فى دول العالم اﻷول نبطل جشع ونبطل نعصر المنتجين دول عشان يخفضوا أسعارهم ونوفر لنفسنا دولار والا أتنين..أيه علاقه ده بالقصه مش عارف ولكنه بالتداعى الحر لقيتها قفزت لمقدمه دماغى......تحياتى وأحتراماتى يادكتره...........خالد

Anonymous said...

أسامة..

لفت نظري الترجمة الشعبية لدرجة أن النص لايظهر صوت الراوي كأنه ـ خواجه ـ شىء بجد رائع.
علي عكس معظم التعليقات السابقة للأصدقاء .. أنا رأيت أن أوكي قضي أسعد أيام حياته التي ربما لن تحدث مرة أخري ..
تشبيه د.إيمان للقصة بفيلم جسور مقاطعة ماديسون تشبيه جميل .. مع إختلاف الرؤية .. الزمن نسبي وكذلك لحظات السعادة التي قد تكون وقود كاف للرحلة غير المبهجة.
قد يحزن أوكي لبرهة .. لكن من المؤكد أن الرجل وزوجته منحاه لحظات وذكري سوف يستعيدها مرات ومرات وقد يخلق منها أسطورة تناسب جو المكان وفوضي الروح التي يعيشها.

تحياتي علي الترجمة الحميمة وعذرا لتأخري

Ossama said...

د.بلو روز خطوة عزيزة اشكرك على التقريظ الجميل وسعيد جدا ان اختياراتي اعجبت حضرتك

انا مع وليد على فكرة في ان اوكي عاش ايام من اجمل ايام حياته وان المعادلة هنا ستتغير بعد ايام وسيظل متذكرا هذه الفترة وهؤلاء الاجانب
بخصوص المساعدة انت لا تساعدين احدا وانما الانسان يساعد نفسه
انا كنت كتبت عن الموضوع ده اساسا في قاموس التنمية او بالاحرى في عرضي لكتاب قاموس التنمية من تحرير الفيلسوف الالماني الكبير وولفجانج ساكس
الفكرة هي ادمان المساعدة ورفض الموضوع ده ورغم اني لا احب الكليشيهات لكن المثل الصيني بتاع السمك البوري وان البحري بتاعه افضل من بتاع المزارع ممكن يكون مفيد في هذا الصدد
يمكن انا مش رومانسي بما فيه الكفاية ولكني ايضا لست عمليا بما فيه الكفاية
يعني فاشل على الناحيتين
خالص التحيات يا دكتورة
متنقطعيش عن النت كده
على فكرة المدونة بتاعتك جميلة جدا ومازلنا في انتظار التحديث

Ossama said...

يادكتور خالد تزعل ازاي يا راجل وانت جوا عنينا يا رب يخليك يارب ويخلي لك سارة وفارس والمدام اللي اديتهم للمرة البيض دي
على فكرة تداعيات حضرتك جميلة جدا ومثرية جدا للنص بتفكرني بشغل الصديق الجميل الدكتور احمد داوود وهو صيدلي آخر بس في السعودية ويبدو ان الصيدلة قادمة بقوة في مجال الثقافة
مسألة عمالة الاطفال اللي المدام بتطرحها فيها قولان كثير بمعنى وجهة نظر زوجة حضرتك صائبة تماما و كمان لازم نحط في اعتبارنا اختلاف الثقافات يعني العمل في الحقول في مصر مثلا نوع من التنشئة الاجتماعية والتربية وليس مجرد عمل مأجور
وزي ما في اوروبا وامريكا فكرة العمل في المقاهي والاندية والمطاعم
في فكرة العمل في الحقل وبشكل آخر العمل في الزراعة في بلاد زي عندنا والهند و غيرها
كمان زي ما حضرتك عارف(يا جدع تنكشني ايه بس وانت اللي بتكلمنا بالقطارة ومش راضي تطلع المستخبي)التراكم الرأسمالي في البيت الريفي يحدث عن طريق هذه النوعية من العمل والبنات مثلا يتعلمن اساسيات الاقتصاد الريفي عبر نوعية العمل المنزلي والمساعدة الخ
ناهيك عن استمرارية العلاقة مع الاهل والاغاني او التراث الشفاهي الخ
يعني الموضوع له ابعاد اكبر بكثير من هذه الرومانسية الضيقة الافق
زي بالضبط الراجل بتاع جمعيات حقوق الحيوان اللي كتب يقول كيف نتكلم
عن المذابح الجماعية و نحن نذبح ما يزيد عن خمسة مليون فرخة يوميا
طب ده تقول لامه ايه؟؟
اقترح: يا راجل يا ديك

Ossama said...

وليد العزيز
اشكرك جدا على التحية واعجابك بالترجمة تقدير اعتز به وخاصة من انسان مثقف مثلك
فعلا يا وليد الزمن نسبي والسعادة نسبية وحتى اسم القصة في الكرواتي والسلوفيني
كان يوم اوكي السعيد
او يوم السعد عند اوكي
oki lucky day
في الانجليزي وفليسار على فكرة هو اللي ترجم القصص بتاعته
excutioners
انا اخترت كتيبة الاعدام كترجمة للعنوان زي ما كتبت في موضوع الترجمة من السلوفينية الى العربية في مارس عندي في مدونة اسامة
اشكرك مرة تانية يا وليد