السيدة ذات العضة الحديدية!!!
اين ذهبت تلك الايام الخوالي عندما كان الهواء مايزال خاويا لا تزحمه 5000 طائرة تتدافع لتجد مكانا في كل لحظة!! وعندما كان من الضروري او في الواقع من الممكن السفر الى استراليا على متن عابرة محيطات! عندما لم تكن العجلة هي قانون الساعة, عندما كان المرء شابا مفعما بالامل و الاحساس بالشكر لانه استطاع السفر الى قارة القنغر على نفقة الحكومة الاسترالية ؟في تلك الايام كان كل شيء مختلفا ,بما في ذلك المسافرين على متن سفن الركاب. فقد كان كل منهم يختلف عن الآخر , وكانوا اكثر اثارة, واكثر خطرا!!
على أي حال أحسست أنا و زوجتي ونحن نبحر نحو جنوب افريقيا على متن عابرة المحيطات "آكيلي لاورو" اننا وسط الجمهور الاكثر تنوعا بين كل المسافرين الذين ركبوا البحر.كنا في طريقنا الى استراليا وذلك عبر المحيط الهندي و في احيانا كثيرة كنا نظن ان معظم الركاب قد خرجوا لتوهم من صفحات احدى المجلات المصورة!!ولذا لم نعجب عندما اخذنا نعتقد اننا ايضا نعيش داخل رواية.
الذهاب لاستراليا بوصفنا مهاجرين يبحثون عن حياة افضل هو أمر عادي وغير مهم ولا ينتمي على الاطلاق لشبكة العلاقات السحرية التي كانت على السفينة. كنا نريد ان نمتلك (ماضيا) مثل كل الآخرين. ماضيا يجعلنا نبدو مهمين في نظر هؤلاء الآخرين!
في الواقع كان لدينا ماض. لكنه كان متواضعا ,فوفقا للقانون الهولندي كانت زوجتي البالغة من العمر 18عاما ماتزال قاصرا, ولذا تزوجنا سرا في انجلترا وابحرنا لاستراليا دون ان نخبر احدا!! خوفا من أن يحاول ابواها الغاء الزواج. وبقليل من الخيال اصبحنا حبيبين يفران بحبهما من قيود وطغيان المجتمع البورجوازي ضيق الافق!
لكن ماذا تعني تلك القصة لو قارناها بقصة السيد بوريللي النادل الذي كان يقدم الطعام الينا في غرفة الطعام الواسعة, والذي كان يخدم في الفرقة الاجنبية منذ 5 سنوات وهرب من الخدمةبعد ان طعن احد الضباط في ظهره؟ كان هذا الكلام مجرد اقاويل يتناقلها الركاب لكن السيد بوريللي,وهورجل محترم كسول مؤدب ولكن على وجهه ندبة ليست من اثار الحلاقة بكل تأكيد, لم يحاول انكارها. وعلى العكس كانت الشائعات تفرحه, وكان يحرص على ان يوقد جذوتها كلما أحس انها في سبيلها للموت
وذلك من خلال ملاحظة محسوبة بدقة, مثلا على المرء ان يواجه العالم القاسي بالقسوة ,أو لايجب أن يقف أي شيء في وجه الانسان!! وكنت انظر اليه وهو يضع ادوات المائدة على طاولتنا وارى في يده سكينا فأفكر : تلك اليد... يد قاتل.
كان السيد والسيدة فوجلسانج يمتلكان ماضيا ايضا . كان كل من الزوجين نحو الاربعين من العمر وكنا نشاركهم في نفس المائدة. كانا في طريقهما الى بريسبان مع ابنتيهما. وكانا يأملان في الحصول على عمل في احد بنوك تلك المدينة. وكانت الاشاعات تقول انهما قد مارسا تبادل الزوجات , وهو الامر الذي كنا نسمع به لاول مرة انا وزوجتي حيث كنا شبابا معدومي الخبرة.
ذات مرة كنا في قمرتهم ,وكانوا قد دعونا لتناول المشروبات,وطرحوا علينا الامر ببساطة. وكي يؤكدوا لنا ان الموضوع لاغبار عليه قالوا لنا انهم قد فعلوها مع اكثر من مائة زوج!!!ونتيجة لهذا فأن زواجهم مازال محتفظا بنضارته كما لو كانا قد تزوجا بالامس وقالا ايضا انه بالمقارنة بالزيجات الاخرى فأن زواجهم سيظل هكذا ربما للابد. ثم سالونا عن رأينا في هذا؟
اجبنا اننا في تلك القضية للاسف لسنا تقدميين, وأننا ربما مازلنا نعيش في عالم قديم ! واننا نهتم بتبادل افكارنا الرقيقة ومشاعرنا المتدفقة فيما بيننا اكثر من مشاركة غرباء في اجسادنا.نعم,نحن نعرف ان تلك رؤية رجعية متخلفة, ولكن لا نستطيع القول بأن تلك المرحلة من حياتنا ستنتهي بسرعة. خرجنا و نحن نحس ان الامر لم ينته وان العرض الذي عرضوه سيظل قائما وسيتم تغليفه بتلميحات مختلفة كلما امكن الى ان نصل الى سيدني!
ولحسن الحظ كان المقعد الخامس على مائدتنا مخصصاللسيدة الجادة جدا لدرجة التجهم السيدة نايلور من ليفربول , والتي كانت متجهة الى ملبورن لزيارة ابنتيها وحفيداتها الاربعة!!لم تكن قد رأت حفيداتها ابدا , ام بالنسبة لبنتيها فعلى الاغلب لابد انهما قد تغيرتا لدرجة انها لن تعرفهما.كانتا تعيشان في استراليا منذ عشرة اعوام
وقد تزوجتا وطلقتا وتزوجتا مرة ثانية, والان تعيشان مع رجل واحد في نفس المنزل وهي لاتعرف من من حفيداتها بنت من !!و لذا قررت السيدة نايلور وهي في السبعين من عمرها ان تضع حدا لكل هذا وتصحح الامور ولو بالقوة. ولذا ابحرت الى استراليا دون ان تخبر ابنتيها. وهي تتطلع الى اللحظة التي ستدق فيها جرس الباب عليهن وتقول "ها انا ذا , هيا اخبروني الحقيقة"!
كانت الرحلة الى استراليا ستصبح شديدة الملل لو تكن طبقات السفينة الاربع مأهولة بالعديد من البشر اصحاب "الماضي المثير"!
كان افضل مصادر المعلومات عن المسافرين على متن الباخرة هو الرجل الصيني الصغير الذي تخلى عن وظيفة النادل في لندن على أمل ان يمتلك مطعما في اديلايد. وعند الاسبوع الاول على ظهر السفينة اعطاني التقرير السري التالي :
من بين المسافرين البالغ عددهم 3500 راكب هناك قاتل (وهذا بصرف النظر عن اليد بوريللي), وخمس لصوص هربوا من السجن , وفيلسوف يستطيع ان يشرح ( وخاصة لي ولزوجتي هذا اذا كنا مهتمين بهذه الاشياء) معنى الحياة , وثلاث فتيات ابكار يفكرن في ان يفقدن عذريتهن على يد احد ضباط الباخرة(ولان السفينة ايطالية فقد كان ضباطها شديدي الحفاوة بالركاب وعلى استعداد لتقديم اي خدمات لهم),و ثلاث من الرجال المسنين الذين سيصابون بازمة قلبية قاتلة مع اول عاصفة تهب على السفينة, وعلى الاقل اربعة من النسوة اللواتي يفكرن في ترك ازواجهن عند اول توقف للسفينة ( والعكس صحيح ايضا), وعدد من اللصوص الذين ينتظرون الفرصة السانحة كي ينظفوا الكبائن من كل غال ونفيس, وعلى الاقل 100 اسرة تركت الفاقة خلفها في النصف الشمالي من الكرة الارضية وأبحرن يحدوهن الامل في ان يصبحن اثرياء جدا.
من اين حصل على كل تلك المعلومات؟ لا يفصح الصيني الصغير عن مصدره ابدا!
كان معظم الازواج يقطن في قمرات خاصة بهم, لكن انا وزوجتي كنا نسكن قمرتين مختلفتين وهذا لاننا لم نجد مكانا على السفينة الا قبل الابحار بايام قلائل.
وهكذا كنت انام في قمرة مشتركة مع ثلاث رجال , اولهم واكثرهم شبابا كان لا ينفك يمشط شعره كلما واتته الفرصة,و كان ثانيهم اسكتلندي عجوزلا ينقطع عن الدندنة بأغاني قديمة , بينما امضى الثالث معظم اسابيع الرحلة الستة نائما. بينما انتهى الامر بزوجتي الى مشاركة ثلاثة نساء لا يتكلمن الانجليزية على الاطلاق.
ولذا كنا نفضل ان نمضي معظم وقتنا على سطح الباخرة . في البار او الكوفي شوب او المكتبة او الجيم او حوض السباحة او على السطح الاوسط او الاعلى.
باختصار في اي مكان لتجمع الركاب كي يمضوا الوقت بعيدا عن القمرات .ورغم اننا كنا نفضل ان نمضي وقتا اطول معا وبمفردنا الا اننا سرعان ما وجدنا تسلية لطيفة في تخمين من من الركاب له ماض اكثر "اثارة."
واخذ العديد من الركاب الذين كانوا بلا ماض يسعون الى اكتساب شيء منه على متن العبارة, كل بطريقته او بطريقتها وكلما سنحت لهم الفرصة او واتتهم الشجاعة.
كان البعض منهم يمضي في هذا الاتجاه بعزيمة من حديد,وكأن وجودهم بالقرب من هذا العدد الكبير من البشر ذوي الماضي المثير قد ملأهم بالتصميم على اكتساب الخبرة قبل الوصول لاستراليا خوفا من ان تقل الفرص المتاحة لهم في ارض الآمال العريضة وخاصة مع وجود هؤلاء الذين لا يوقفهم شيء.
ولكن ربما كان المصدر الحقيقي لهذه الرغبة المحمومة في البقاء على اتصال بالحياة هو الماء المتلاطم الامواج الذي كان يمتد امامنا على مرمى البصر طوال اسابيع .هذا الماء الذي صار وكأنه كائن حي بعد ان غادرنا كيب تاون بقليل. واسفر عن وجهه المرعب من خلال الامواج الهائلة التي تميز المحيط الهندي . تلك الامواج التي سببت المتاعب لكل البحارة حتى امثال جيمس كوك وفاسكو داجاما. كان القبطان يحاول ان يتجنب مواجهتها من خلال المرور القطري عبرها., لكن الموج لم يكن يتركنا لا ليلا ولا نهارا وكان يقصف السفينة باستمرار , وذات صباح بينما كنا نتناول الافطار رضخت الدواعم للهجوم المتوالي والذي كانت ذروته موجة عارمة يصل ارتفاعها الى اكثر من 20 متر .بدأت الاطباق تتحرك على المائدة و اخذ الطعام ينسكب من الاطباق واخذت الادوات تنزلق من امامنا. لم يكن بوسع احد من الركاب في تلك اللحظات ان يدعي اللامبالاة.
كان من السهل استنتاج ان المحيط الغاضب هو السبب الرئيسي للقلق الذي اخذ الجميع يعانون منه وكنت ترى القلق في الوجوه الشاحبة وتسمعه في الاسئلة التي لا تنتهي حول مدى متانة السفينة وهل تلك "الاشياء" امور معتادة عند ركوب البحر؟ ولكن الدليل الدامغ على القلق كان كمية الكحول التي يستهلكها المسافرين في البارات والمطاعم يتساوى في ذلك الجميع حتى اولئك الذين كانوا يدعون في الايام الخوالي انهم لا يقربون أي شئ الا اللبن وعصير الفاكهة!!!
كانت الاعماق تحت ارجلنا مرعبة وتجلى هذا الرعب في منظر اولئك الجالسين لساعات طوال على السطح وهم ممسكين بافريز السفينة والموج يرشهم برذاذ ملحي لا ينقطع. ويتطلعون بلا انقطاع للافق على امل مراوغ في ظهور الشاطئ البعيد الآمن من خلال جبال الموج المتلاطمة.
في هذه الاحوال كان سطح السفينة يعج بالعاملين في التنظيف يجرون هنا وهناك حاملين مكانسهم وجرادلهم البلاستيكية يملؤونها بما يمسحونه من قئ كان يملأ القمرات الداخلية سيئة التهوية بروائح كريهة. في هذه الاوقات كان اسعد الناس هم الاطفال الذين كان غضب البحر المدمر بالنسبة لهم ارجوحة يلعبون بها وليس مؤامرة من قوى الطبيعة. فكانوا يصرخون ويجرون ويقعون في فرح عارم يزداد بسبب عدم وجود أي رقابة او منع من الكبار.
في نفس الوقت كان الكبار قد تحولوا الى اطفال . بدأت العجائز في ممارسة تنس الطاولة. واخذ السادة المحترمون يجربون رفع الاثقال في الجيم. وطلبت السيدة نايلور ولاول مرة في حياتها كأسا من الويسكي المزدوج. واشتركت راهبتان كاثوليكيتان مع ثلاثة مقامرين محترفين في دورة بوكر. وحاصر المسافرون نصف الاميون مكتبة السفينة ثم احتلوها. بينما توقف رفيق قمرتي الشاب المغرم بجماله عن النظر المطول في المرآة وتسريح شعره. وبدأ في التجوال على غير هدى و بلا مقصد وبعينين غائمتين تائهتين. وشعره منكوش مشعث على السطح العلوي للسفينة . وهكذا شهدت السفينة تحولا كبيرا ادى لان يحاول كل فرد الانغماس في رغباته الدفينة وتحقيقها. حتى زوجتي وانا وكنا كسالى بعض الشئ , ارتقينا حلبة الرقص ورقصنا لاول مرة في حياتنا واكتشفنا واجسادنا تتلاصق والعرق يغمرنا اننا لسنا كسالى كما كنا نظن.
لكن حدود تجاوزاتنا لكل المبادئ التي كنا نعتقد اننا نؤمن بها ايمانا راسخا كانت تتوقف دون ادنى تردد عند باب قمرة السيد والسيدة فوجلسانج , اللذان كررا عرضهما وهذه المرة بشكل صريح دون محاولة طرحه مواربة او تلميحا, اثناء العشاء على مائدتنا, عندما غادرتنا السيدة نايلور لفترة وجيزة كي تخبر السيد بوريللي الا يحضر الايس كريم لها لانها تريد الاحتفاظ برشاقتها.
قالت السيدة فوجلسانج وعيناها تتفحصان جسدي المختبئ تحت الجينز الضيق الذي كنت ارتديه في تلك الايام لانه موضة." لا يمكن ان تحكم دون ان تجرب ربما كان هذا الذ شئ في الوجود وآخر عمل تقومان به".
رددت بشئ من الندم " من المحتمل جدا " كانت السيدة فوجلسانج تتمتع بجسد مثير ووجه جميل!
"نعم من المحتمل جدا", "لكننا نفضل ان نتمتع بالذ شئ في الوجود , مع بعضنا اولا" " وخاصة ونحن لا نمتلك قمرة خاصة بنا , وقد لا تتاح لنا الفرصة حتى نصل الى استراليا" وعلى الفور عرضا علينا استخدام قمرتهما مقابل ثمن ضئيل جدا وهو ان يتاح لهما ان يشاهدا , ان لم يستطعا المشاركة.وحتى هذا العرض الكريم رفضناه معتذرين بأننا لم نصل بعد للمرحلة التي نجد فيها مثل هذه الاشياء مثيرة. ولكن لو حدث ووصلنا اليها سنخطرهما في البنك الذي يعملان فيه , وسيكونا بالتأكيد اول من يعلم. بالطبع قد يأخذ هذا زمنا وقد يكونا قد تخطيا التسعين في هذا الوقت مما سيجعل اللقاء غير مرغوب فيه.
لكن قرارنا هذا لم يمنع السيد والسيدة فوجلسانج من متعتهما. فسرعان ما اخبرنا الرجل الصيني الصغير الذي يرى ويسمع كل شئ انهما يتركان حلبة الرقص كل ليلة ومعهما زوج واحد على الاقل يريد ان ينسى ان استراليا مازالت على مبعدة الاف الاميال. وادى هذا الى زيادة شهيتهما التي بدا و انها ليست نتيجة البحث عن المتعة فقط, فسرعان ما اخبرنا الصيني ان الزوجين ياخذان أي زوج من البشر من أي مكان في وضح النهار الى قمرتهما , ويوفران للجميع حفلة جنسية صاخبة محدودة .
ذات مساء سألنا الصيني " اتعرفون السيدة ذات العضة الحديدية؟"كنا في البار . و اردف مفسرا " انها معنا على السفينة, شقراء طويلة , سويدية المولد , متزوجة من رجل هولندي" سرعان ما تجمع حولنا مجموعة من المسافرين الآخرين . و اسر الينا الصيني الصغير ان السيدة المعنية قد سقطت منذ عدة سنوات في كهف في جزيرة كورسيكا الفرنسية و كسرت فكها وهي تستجم في اجازة. في مستشفى في مارسيليا , قام الاطباء باصلاح العطب من خلال تركيب دعامتين معدنيتين للفك السفلي. واعطاها الجسم الغريب الموجود في تجويف الفم احساسا بأن ثمة جزء ناقص من جسدها , ولذا اضحت ضحية لرغبة عارمة لا يمكن مقاومتها لاسترجاع الجزء المفقود وتعويضه باجزاء من اجساد الآخرين. وبذا صارت مصاص دماء لا يقاوم , تهفو نفسها دائما للسائل المنوي , لأنه المادة الوحيدة التي تعوض النقص فيها وتبقيها على قيد الحياة. بدا واضحا لكل المستمعين ان السيدة التي صارت اسطورة على متن السفينة هي السيدة فوجلسانج.
لكن القصة بدت مفبركة بعض الشئ ويصعب تصديقها. فوجود الواح من معدن في الفك هو امر, لكن افتراض ان وجود مثل هذه الالواح يؤدي لتغيير شخصية المرء واحتياجاته هو امر آخر تماما. لكن عندما حكى لي حداد يوناني كان مسافرا لاستراليا للعمل في السكك الحديدية نفس القصة ولكن بتحوير بسيط" في هذه النسخة كان سبب الكسر هو ضربة محكمة من زوجها الذي ضبطها في السرير مع اعز اصدقائه" بدأت اصدق في امكانية حدوث تحول مرضي في الشخصية نتيجة لوجود تلك القطع المعدنية في الفك. وفي الوجبة التلية دققت النظر في الفك السفلي للسيدة فوجلسانج, و لاحظت انه ليس متوائما تماما مع الفك العلوي. وبدا لي انها تدير فكها دورة تامة اثناء مضغها شريحة اللحم على الطريقة الروسية, وكأن هناك ما يمنعها من المضغ بالطريقة السوية.
ووصلت الي مسامعي معلومات جديدة تفصيلية عن فك السيدة فوجلسانج من خلال شائعة أخرى حملتها امواج المحيط الهادرة وضاعفتها وضخمتها فأتاحت لكل الناس الفرصة كي يدلو بدلوهم فيها. فبسبب المعدن في فمها كان بوسعها ان تمص الذكور بطريقة تدفع الرجال للجنون , وهذا ما حدث للبعض على ظهر السفينة اكيلي لاورو . رغم ان كل من تذوق هذه الفاكهة كان عليه ان يحضر معه زوجته او عشيقته او صديقته لقمرة الزوجين فوجلسانج كي تشفي السيد فوجلسانج من مرض عضال مزمن اسمه الانتصاب الدائم. والذي لا دواء له الا القذف المتكرر كلما سنحت الفرصة. ولذا تآكل مقبض باب قمرتهم وصار في حاجة ماسة للتغيير!!
كنت كثيرا ما افكر في ابنتيهما. لم يكن احد يعلم لماذا وضعتا في حجرة الطعام على مائدة غير مائدة ابويهما.( هل كان هذا بناء على طلب الاخيرين؟ اللذان لم يكونا يرغبان في الجلوس مع ابنتيهما) ايضا لم يكن واضحا لماذا عليهما مشاركة راهبتين في قمرتهما؟. كانتا مغلقتان على نفسيهما في معظم الاحوال . وكانت كبراهما , وهي فتاة خجولة ليست جميلة ولكنها جذابة في السادسة عشرة من عمرها , ترعى صغراهما ذات الحادية عشرة عاما وكأنها امها.. وكان من الضروري ان تفعل هذا حيث ان الابوين لم يكونا يعيرا الابنتين ادنى اهتمام, كانوا يتبادلون بضع كلمات عبر الموائد اثناء الطعام وهذا هو كل شئ. لم تكن الفتاتان غاضبتين من هذا الترتيب بل على العكس بديتا سعيدتان لان باستطاعتهما ان يمضيا اوقاتهما على الباخرة دون رقابة ابوية. كانتا تجوبان السطح , وتستحمان في حمام السباحة , وتشاهدان فيلما جديدا كل يوم , وتتصفحا المجلات في المكتبة , وتراقبا الاطفال الآخرين يلعبون.
لم هناك من يعيرهما كثير اهتمام الاالسيد بوريللي الذي كان يخدمهما بسخاء ابوي , فيأخذ الاطباق التي لا تروق لهما , ويجلب لهما اطباق بديلة يحبونها ( وهو لعمري امتياز , بالنظر لان باقي المسافرين كانوا مجبرين على التهام ما يوضع امامهم من طعام) وكان السيد بوريللي كلما وجد فرصة يتوقف على مائدتهما التي يشاركان فيها زوج فنلندي صموت هادئ , امرأة انجليزية عصبية متوترة دائما. وكان يحنو عليهما ويسألهما عما يرغبان فيه وتلمح لمعة خاصة في عينيه.وفيما عاداه كان ثمة ضابط من الضباط الاكثر شبابا يعيرهما انتباها,كان هذا الاخير شاب اسمر اسود الشعر له ملامح صقلية يرتدي بزته الرسمية المكوية بعناية دائما. ولم يكن يخفي حقيقة انه مهتم فقط بالفتاة الكبرى آميليا . ولاحظت ان آميليا فوجلسانج ليست محصنة ضد محاولاته المتكررة كي يجعلها تبتعد عن اختها الصغرى كي يستطيع ان يبثها لواعجه ويشركها في طموحاته. وعندما وجدت الفتاة الصغرى ذات مساء تلعب الشطرنج بمفردها في حجرة الترويح, كنت على يقين ان آميليا على وشك ان تفقد عذريتها في احد قمرات الطافم على يد الضابط الشاب.
في الصباح التالي لم تظهر أي من الفتاتين على الافطار.لكن هذا لم يكن امرا غير طبيعي تماما, فكثيرا ما كانتا تنامان لوقت متأخر . الامر الذي لم يكن مفهوما هو ان من قدم لنا الافطار لم يكن السيد بوريللي وانما نادل كسول بطئ لم نره من قبل وكان غير قادر على ما يبدو على الاحتفاظ بالاطباق في يده, ناهيك عن وضعها على الطاولة دون اضرار.سألت السيدة نايلور بنبرة من القلق "ماذا حدث للسيد بوريللي؟" وتابعت" آمل ان تلك الامواج المرعبة لم تحمله من على سطح السفينة؟" الغريب ان السيد والسيدة فوجلسانج ظلا صامتين وقاما مسرعين ولم يأكلا الا قطعتين من الكرواسان ,شربا كوبين من القهوة. بدا عليهما التعب ولاحت على وجهيهما افكار مظلمة كثيرة. اعادت السيدة نايلور دفة المحادثة الى موضوع السيد بوريللي" كان رجلا ودودا حقا . لا ادري لماذا اظن ان ثمة مرض غريب مستفحل في السفينة."
كان السيد بوريللي قد اصيب بشئ اسوء من المرض بكثير. كان الصيني الصغير يعرف كل شئ عن الموضوع, وبعد الافطار مباشرة جذبني الى جنب وكأن ثمة امر كبير الاهمية يود اطلاعي عليه بسرعة. وكان ماقاله لي ( وبالتأكيد كان قد قاله للكثير من المسافرين قبلي) مرعبا على اقل تقدير. فعلى ما يبدو استدرج السيد والسيدة فوجلسانج السيد بوريللي لقمرتهما في الليلة الماضية , ومنياه بلذة لم ير مثلها في حياته, وبينما كان السيد بوريللي يتمتع بما كان يظن انه اللذة القصوى التي لن تنتهي قضمت السيدة فوجلسانج رأس العضو الذي كانت تتظاهر قبل لحظات انها تمتص رحيق الحياة منه. ويبدو ان العديد من الناس قد شاهجوا الجندي السابق في الفرقة الاجنبية يصرخ من الالم وهو يحاول ان يرفع بنطاله فوق ركبتيه, وهو يعدو في طرقات السفينة نحو عيادة الجراحة حيث استطاع الجراح ان يوقف النزيف, لكنه لم يستطع ان يرفو الجزء المقطوع من العضو الهام!!لأن السيدة فوجلسانج اما ابتلعته او بصقته في التواليت و سحبت السيفون. وقد حدث كل هذا , لان السيد بوريللي قام قبل هذه الاحداث بساعتين بخرق ابنتها آميليا , وكان من اعلمها بهذه الواقعة آميليا المثلومة ذاتها.
بدت قصة الصيني الصغير لاول وهلة فاقدة للمصداقية تماما وكأنها احد تلك الشائعات التي يضيف اليها كل من يسمعها جزءا من عنده ويحسن فيها هذا ويطورها ذاك الى ان تصيرهولة مروعة! لكن بعد قليل كنت الصق وجهي بفتحة صغيرة في جدار احد القمرات كي ارى ماذا يدور في تلك القمرة, و رأيت مكتبا فيه القبطان ومعه اثنان من الضباط يجلسون الى مائدة وفي مواجهتهم تتحرك السيدة فوجلسانج جيئة وذهابا امام المائدة. ومن خلال اشارات وكلمات غاضبة تحاول ان تفسر شيئا ما وبدا لي انها تهددهم بشكل ما.وفجأة ادركت انها تنظر الي وجهي وكان على ان اهرب. في الواقع لم يكن ثمة ما تخشاه فآميليا كانت قاصرا, وقد اقترف الجرم احد افراد الطاقم, من يستطيع ان يحكم بأن انتقامها كان افدح من الجريمة؟
في الصباح التالي كان ثمة مفاجأة اكبر في انتظارنا, فقد عاود السيد بوريللي الظهور على مائدتنا وكأنه لم يفقد قلامة ظفر ناهيك عن عضو ثمين! خدمنا بأمانة ودقة كعادته, لكنه بدا متحفظا بعض الشئ , وكان حريصا كل الحرص على الا تلتقي نظراته بعيون السيد والسيدة فوجلسانج. ناهيك عن انهما ايضا كانا يحرصان على تجنبه. فقد اخذا يحقان في الاطباق امامهما وكأنهما قد فقدا احد اقاربهما الاعزاء. لم يعد فكا السيدة فوجلسانج يعطيان الانطباع بأن ثمة شئ خاص خلفهما. كانا يمضغان البيض ولحم الخنزير مثلهما مثل أي فكين آخرين يقومان بنفس المهمة ويمضغان البيض ولحم الخنزير في حجرة الطعام.
لكن السيدة نايلور لم تستطع الصمت فسألت السيد بوريللي ثلاث مرات متوالية عن سبب تغيبه وماذا حدث له بالامس. لم يرد على الاطلاق مرتين . لكن مع اصرار السيدة نايلور , لم يملك الا الرد. فقال بصوت عميق ملئ بالاسى " سيدتي, هناك في هذا العالم اناس قد فقدت الاحساس بالجمال, و لا يمكنهم فهم الحب العميق بين الارواح المحلقة, وخاصة لو كانت احد تلك الارواح رجل كهل , والروح الاخرى شابة جميلة" ولو كان قد توقف هنا , لما كان بوسعنا ان نشاهد ما شاهدناه بعد لحظات. لكن السيد بوريللي كان قد حصل على الفرصة التي كان يتمناها ولم يكن ليدعها تمر. وربما كانت كبرى غلطاته هي انه قد ترك العنان لنفسه ليكون واعظا اخلاقيا وهو الجندي القديم.
اضاف بصوت عال " الحب البرئ يذكر بعض الناس بأنهم يحتقرون الحب". وما ان انتهى حتى قام السيد فوجلسانج على قدميه وضربه على رأسه بطبق البيض ولحم الخنزير الذي لم يكن قد فرغ من التهامه بعد. وتحولت كل الرؤوس في غرفة الطعام الى مائدتنا.و بينما كانت قطع الطبق المتكسرة تسقط على الارض وتتدحرج تحت المائدة, كان السيد بوريللي المندهش يحاول التغلب على هول المفاجأة كي يمسح مح البيض الذي اغرق وجهه, لكن السيد فوجلسانج لم يمهله ووجه له لكمة عنيفة بقبضته التحمت مع ذقن السيد بوريللي واسقطته ارضا على الفور !!
وانطرح الاخير على ظهره وذراعاه منفرجتان وكأنهما تحاولان الحفاظ على الاتزان , وبينما هو في طريقه الى الارض, ارتطم كتفاه العريضان بالمائدة المجاورة , فقلباها . فقد اعطت الكمة العنيفة وزن السيد بوريللي الكبير الطاقة الكافية للاخلال باتزان هذه المائدة الثقيلة وقلبها على السيد السكوتلندي العجوز الذي كان يجلس على الطرف المقابل.وقع الاخير بكرسيه وارتطم بالارض. ووقع عليه اربع اطباق ممتلئة ببقايا افطاره الذي لم يكن قد انهاه بعد. قفزت النسوة الاربع اللواتي كن يشاركنه المائدة وصرخن.
تحرك السيد فوجلسانج الذي كان اصغر حجما من السيد بوريللي لكن عضلاته غير الظاهرة كانت تحوي على ما يبدو قوة كبيرة. وجذب ضحيته و اوقفه على قدميه . وشده من المنديل الذي كان السيد بوريللي يلفه حول عنقهبيده اليسى , وكور يده اليمنى الى قبضة كانت في سبيلها الى الارتطام بوجه السيد بوريللي عندما رمى نادلان اخران بجسديهما على السيد فوجلسانج والقيا به على الارض. سمر احدهما ذراعا الاخير الى الارض ووضع رأسه بين ركبتيه , وجلس الآخر على رجليه. ولحقهما بسرعة اثنان آخران من الطاقم. وجذب الاربعة السيد فوجلسانج, الذي توقف عن المقاومة الى خارج حجرة الطعام.
نظرت الى السيدة فوجلسانج . كانت ما تزال تجلس الى المائدة, رأسها منخفضة , ودموعها تجري على وجنتيها الملتهبتين. في نفس الوقت كان السيد السكوتلندي العجوز قد اجتهد ووقف على قدميه مرة اخرى , وبدأ في الغناء بصوت عال " عندما كنت شابا و قويا" التي لم يكن الوقت مناسب لها اطلاقا.
في اليوم التالي عاد كل شئ الى طبيعته وكأن شيئا لم يكن . نقل السيد بوريللي ليخدم موائد في الطرف الآخر من حجرة الطعام , ومن هناك لم يكن يحاول حتى النظر في اتجاهنا. جلس السيد والسيدة فوجلسانج على المائدة دون ان يتفوها بكلمة . كانت على وجهه علامات تؤكد انه حظي بما هو اكثر من التحذير الودي., كانت تحاول ان تخفي حرجها تحت قناع الحزن العميق.وكانت السيدة نايلور هي الوحيدة التي حاولت ان تكسر حاجز الصمت, واخبرتنا ثلاث مرات على التوالي كيف انها حلمت الليلة الماضية بعاصفة رهيبة في البحر. وكيف انها تحس احساسا يصل الى عظامها ان هذه العاصفة على وشك الهبوب. قال السيد فوجلسانج بحقد واضح" اتمنى ان تكوني على حق". لم نكن قد رأينا آميليا ولا اختها منذ يومان ز ولابد ان والديهما قد حبسوهما في قمرتهما, وكانتا تتغذيان على الفواكه المعلبة الموجودة في محلات السفينة.
توارى ايضا الرجل الصيني منجم المعلومات المتعلقة بما يجري على ظهر السفينة. وعندما التقيت به عند المساء في بار السفينة , لم يكن محاطا كعادته بمجموعة من المنصتين الاوفياء, بل كان يجلس وحيدا في ركن معتم. وهو يداعب كوبا من الجعة امامه.لم يبدو مرحبا كثيرا بجلوسي بالقرب منه. قال متأففا "ماذا؟" واضاف" تريدني ان اخبرك بالمزيد؟"
بدت كلماته وكأنها اهانة.و فجأة ادركت انني كنت اقترب منه دائما املا في سماع المزيد.من الحكايات المثيرة . لكني لم اكن بمفردي.ولماذا كان سخيا دائما في حكاياته؟لاننا كنا نتحلق حوله ونحن نريد ان نسمع. هل اعطاه اهتمامنا الاحساس بأنه ايضا شخص مهم؟شخص في بؤرة الحدث؟هل كان هذا هو سبب ابتعاد حكاياته عن الحقيقة؟
قال لي " لقد اخترعت حكاية الالواح المعدنية في الفك " بدا كما لو كان يقرأ افكاري." انا لا اعرف لماذا.هكذا حدث الامر, ربما اردت ان افعل شيئا, او للهروب من الملل. ست اسابيع على سفينة, وكل ماحولك هو هذا الماء الذي لا ينتهي. كنت سأجن لو لم يحدث شئ . الآن على الاقل هناك شئ يحدث" رغم حزنه كان جد فخور بالضجة التي سببها باشاعاته وحكاياته.
واعترف لي ايضا ان قصة آميليا والسيد بوريللي هي من اختراعه ايضا.في الواقع لم يحدث اكثر من السيدة فوجلسانج ضلتهما جالسين معا على دكة على سطح السفينة ويديهما متشابكة في وقت متأخر من الليل وكانا ينظران الى القمر. وعلى الفور ابلغت السيدة فوجلسانج القبطان وحملته ت هذا؟ انها تحتاج لزوج من المقصات لا من الفكوك. وكذلك اخترع قصة تبادل الشركاء او لنقل انه قد بالغ فيها بعض الشئ. ربما فعلا ذلك مع زوج او اثنين , لكن باقي الناس كانوا يدخلون القمرة بغرض لعب الورق والمقامرة وهو الامر الممنوع على ظهر السفينة. ربما كان ينشر الشائعات عنهما بسبب حقده عليهما , كي يعاقبهما على تجاهله و ازدرائه. وكان يتوق حقا الى ان يدعواه الى قمرتهما ولو لاحتساء كوب من عصير البرتقال.
كانت السيدة نايلور على حق لقد اجناح مرض غريب السفينة. وكانت ايضا على حق عندما تنبأت بأن عاصفة على وشك الهبوب . في اخر النهار اظلمت الدنيا فجأة و بدأ المطر في الهطول بشدة. وجاءت الريح عاتية عبر البحر, فأعطت الموج طاقة اضافية ليرغي ويزبد حتى ان السفينة بدأت في الترنح بشدة. ولكن نظرا لعلو الضوضاء الناجمة من المحركات لم نكن نسمع الرعد , لكن دفقات البرق التي كانت تتوج قمم جبال الموج لم تدع مجال للشك في اننا ندخل في قلب عاصفة رهيبة. وبين الحين والآخر كانت عابرة المحيطات الضخمة ترتفع كما لوكانت توشك ان تطير. وحينما كانت تعاود الهبوط في الوادي السحيق بين التلال المائية كان يبدو انها لن تتوقف عن الهبوط الا في قاع المحيط. جمع ثلاثي الآلات الوترية الذي كان يتدرب كل ظهيرة استعدادا للعزف ليلا آلاته واختفوا. وهرع الطاقم الى كل مكان حاملا ادوات لاصلاح ما ينفصل او يتكسر اثناء الارتجاج العنيف. وكنا نسمع صرخات الاطفال في كل مكان.
وأخذ البالغون مع الصيني يحدقون في المياه العنيفة ويتسائلون هل يمكن ان تزداد العاصفة سوءا؟
ولاول مرة شعرنا جميعا انه في مكان ما وسط هذا الخضم الهائل تقبع السيدة الحقيقية ذات العضة الحديدة في انتظار كل منا على حدة , او في انتظارنا جميعا.