Tuesday, July 18, 2006

حادثة تذكرنا بحادثة اللي ميعرفش يقول عدس!!اي تحويل الفضيحة والكشف الى موضوع آخر

القصة فيها لمحة من حواديت بوكاتشيو في الديكاميرون وفيها شخصيات اقرب الى النمطية مثل الزوج الديوث والطفل الفاضح للحقيقة والمدينة المتواطئة
ولكن يظل الواقع واللغة الخشنة التي يتعامل بها احمد مع موضوعه اكبر بكثير من النمطية فالحدوتة تتجاوز الشخصيات وخاصة في هذا النمط من السرد الحكائي

المطافى ياناس … حرامى عُريان


دلف إلى المقهى طفل صغير لايتجاوز السنوات الأربع يبحث بعينيه الطفليتين عن أبيه بين الكراسى ، عندما لمحه ارتمى بين ساقيه متشنهفاً لاهثاً الحق يابا فى واحد حرامى فى الأوضة عريان ونايم على الأرض وأمى رخره عريانة وعمّالة تقوم وتقعد بتضربه على حمامته انفجر المقهى بالضحك الصاخب ومختار من الكسوف ( إن كان لديه كسوف أو حياء قليل ) هرول إلى الشقة فوجد الحال كما أبلغه آخر العنقود ، لم يزجر أو يشتم إنما زغر لها بغلٍّ فزّى قومى خشّى جوه وأنت ياسى خره مش عايز أشوف وشّك هنا تانى حاضر ياسى مختار …. وخرج الرجل وهو يعبط هدومه وعلى السلّم فكّ الملابس ليستر نفسه فصرخت ساكنة بالأدوار العليا كانت فى طريقها للتسوّ ق لمـا وجدت رجلاً عارياً على بسطة السلم فالتمّ الناس من كل حدب وصوب ( كما يقول أدباؤنا الأقدمون والشبان ) فسجلت بذلك واقعة يضيفها البعض لوقائع المتنصتين بالصدفة والذين لم يسعوا هم لذلك بل سعت لهم فى المقهى أو بينما هم فى بيوتهم يكفى خيرُهم شرَّهم .

ومختار أبو عدس هذا والمشهور بـ مختار أُقّة ( من أوقية ، إذ سرق من أحد البقالين فى الزمن البعيد أوقية الميزان وباعها لفاكهانى ليشترى لزوجته وأولاده خبزاً فلمحه أحد الزبائن وبلّغ البقال فيه المركز ، ثم تم صلح وبقى من الواقعة اسم مختار أقة مدى حياته ) كان يعمل جزمجياً فلما اصبح الكار بطّالاً بعد انتشار المحلات التى تبيع الجاهز وبأسعار رخيصة لأنها تستخدم فى النعال بدل الجلد الطبيعى جلداً صناعياً من ورق مطبوخ وكرتون مضغوط حتى تهلك سريعاً فتظل المصانع تعمل وكذا المحلات وأصحاب المحلات ، تحوُل مختار ليعمل إسكافياً يصلح ما يفسد من الجاهز ، ولأن الجلد من النوع الردئ وقد اعتادت يداه ومخرازه على الجلد المتين فقد كان النعل ينشرم ويفشل العلاج فهجره الناس . أخذ خلوّاً من صاحب المحل وقعد فى الدار مع القاعدين حتى صرفه ، ثم ترك الغرفة التى يسكنها ( وكانت من الطوب القرميد ) ليسكن أخرى رخيصة من الطوب الّلبِن ومع سكان آخرين ودورة مياه واحدة مشتركة ، أناسُُ يقولون إن زوجته احترفت الدعارة من السكنى مع الأغراب وآخرون يقولون انه عندما عمل جراحة بإسته فقد ذكورته .

كان مختار مصاباً بداء البواسير من كثرة جلوسه على الأرض وانحنائه للأمام على قادوم ودقماق ، فوصف له أحد البدو ( كان يرتق نعلا لديه ) سفوفاً وضعه بشرجه مما جعل اللحم يتساقط من أسته ودخل فى نزيف حاد بالكاد لحقوه بالمستشفى الاميرى … ليلتها وبعد انتهاء مفعول المخدر صرخ مختار صرخته الشهيرة فى البرية المطافى لطيزى ياأولاد دين الكا…..لب..
يقال أنه بعد هذا الحادث فقد مختار ذكورته من كثرة ماخرزموه وخاطوا فى منطقة الألم . ومن أجل هذا تسامح فى سلوك زوجته التى بدأ الناس يتناولون سيرتها فلم يعط أحداً أذناً .

حدث حريق فى المنزل المجاور ومن مياه خراطيم المطافى العنيفة انهارت الدار المصابة والدار التى يسكنها مختار وآخرون . وهيلاهوب أرادوا ان يضعوا الحكومة أمام الأمر الواقع فأخذوا نساءهم وأطفالهم وحوائجهم من حصائر وبطاطين باليه وألحفة لاتبين من دم البراغيث والبق وناموا أمام مجلس المدينة فأسكنوهم فى الإيواء العاجل حتى يتم تسليم المساكن الشعبية من المقاول المتباطئ لهيئة التعمير. أعطوا لهم عمارة بإيجار بسيط فسكنوها على القالب وبدأوا يعمُرون المكان الذى يطل على المقابر خارج البلد .

ولبعد المسافة وانحناء ظهر مختار كره العمل بالمدينة رائحاً غادياً بخرج العدّة والعائد قليل وما دامت الحال ماشية لا يسأل عن مصدر المال الذى تأتى به زوجته ، فلما تمّ تعمير باقى العمائر بدأ الناس يلمزون على استحياء ثم علت بعد ذلك الشكوى من المرأة وسلوكها الشائن والجيران لهم بنات يخشون لعيونهن المغمّضة أن تُفتّحّ … ولكن لأن الناس أشتات فى المساكن وأصولهم مجهولة فقد كانت النسوة عل راحتها فى اللبس … مقوّر ومكشوف وخفيف وكأنما أعطتهم زوجة مختار ترخيصاً فبدأت نساء أخريات يدخلن فى عداد المهنة ويبقى لها فضلُ الريادة.

كان الرجال من سائقين وأصحاب موتوسيكلات ( وهى مواصلات الطرق الضيقّة التى لا تسير عليها عربات ) كذا عمال طائفة المعمار يتفقون مع الحالة ويأخذونها للمكان المتاح إلا زوجة مختار فقد ظلّت تمارس وظيفتها بنفس الشقة التى تسكنها وأكسبت المساكن اسم زوجها [ أراد الناس أن يكرّموه ويكرّموا اسمه بصفته المعرّس الأول فى المنطقة ] فكان كمسارية أوتوبيس المحافظة والنيل وشرق الدلتا ينادون : مين نازل المحكمة؟ حد نازل مساكن الوقية ..؟ مساكن وأّه؟ … والعارف يضحك والغريب يندهش من إطلاق وحدة الموازين على وحدة المسافات..

استراح مصطفى وأضحى وأمسى وظلّ على مقهى الغفير الذى ترك العمل مع المقاول وحّول العشّة التى كان يسكنها إلى غرزة ، فمقهى بعد أن مشى الحال … لايغادر الكرسى الذى عليه يجلس والآخر الذى عليه يمدد ساقيه نائماً أو يقظاً حتى يفسح لزوجته وزبائنها … ولم يعكّر صفو حياته وجعله يغيّر سُكناه غير الحادث الذى جعلنا نشغل أنفسنا به عندما دلف إلى المقهى طفل صغير يبحث بعينيه الحائرتين عن أبيه بين الكراسى .



No comments: