Friday, July 14, 2006

كعادة احمد تتحول المأساة عنده الى نوع من الملهاة العابثة التي تضحك وتفجر الدموع وتحز في النفس وتطهر القلب وهي تغرس فيه سكينا حادا ...الحدوتة القادمة من هذا النوع


يكاد الأخرس أن ينطق


ثرى من بلدنا فقد اثنين من أعزّ أبنائه فى حادث سيارة أليم ، كان جزّاراً وفتح الله عليه فورّد للجيش اللحم حياً ومذبوحاً طوال سنين ما بعد النكسة وحتى العبور فتضخمت ثروته . احتال أهل الفكاهة ليخرجوه من أزمته النفسية التى صاحبت فقدانه للوارث وحامل الذكر والاسم فنظموا فرحاً لجودة الأخرس وكان يعمل بالسلخانة ويتاجر كأمه وأخيه فى الكرشة والسقط لا يملك إلا قوت يومه ويشبع بالكاد ، نصبوا الفرح على حساب الثرى وفيه طبلُُ وزمرُُ وغانيات وزوّجوه عروساً بفستان زفاف أبيض كالحليب ، أنثى تشرح الصدر وتسيل اللعاب ، تأبط ذراعها فخوراً غير مصدّ ق ودخل غرفة العرس فلما كشف عن فخذيها بان لها ذكرُُ أكبر مما لعجل الثرى الذى يلقّح عجلاته فصعق الأخرس وكاد ينطق من الذعر ، والمتنصتون خلف الباب ومعهم الثرى يستلقون على أقفيتهم من الضحك اللذيذ ودمعت العيون ونسى الجميع الوارث الذى لم تبرد له دماء فى مقبرته ، والأخرس حيران ماذا يصنع؟ تتلفت عيونه الخائفة المرعوبة بين العروس وبين الباب ، يحاول أن يفسخ ضلفتيه فيمنعه الذكر العروس وكذا المتلصصون خارج الغرفة حتى لاتنتهى المتعة هكذا بغتة ، ودخل الأخرس فى حالة من الاكتئاب الشديد وتجنّب الناس ، حالة تعرّض لها أخ له من قبل وكان أخرس هو الآخر (فالبكم والصمم عندهم وراثة) وكان أخوه مدخّناً شرهاً ويلحسه الفقر فأغراه شاذُُ بقاروصة من السجائر المستوردة وفى دورة مياه مسجد الحاجة آمنة فعل به الفاحشة ثم نتش منه القاروصة وفرّ ، وجرى خلفه الأخرس الراحل وحكى للناس بالإشارة ، منهم الذى فهم فضحك ، ومنهم الذى لم يفهم ، فتركهما يتقاتلان.

وكلما أراد واحدُُ من الشباب إغاظته وجرّ شكله وضع فى فمه سيجارة وضرب أصابع اليدين للأخرس أى كبريت لو سمحت فلما يهم بإخراج الثقاب من جيب الصديرى انفجر ضحك الشباب فيفطن للمزحة الثقيلة ويجرى خلفهم فيجرون حتى إذا ابتعدوا مسافة وقفوا ليضعوا أيديهم على آذانهم إشارة لآذان المسجد حيث فتك برجولته الرجل الشاذ فيجن جنونه ويقذف ما تقع عليه يداه خلفهم وفى كل الجهات ثم يلطم ويشق الهدوم ويضع التراب على رأسه بعد أن يقذف الطاقية بالأرض وينخرط فى بكاء خشن مرٍ يكسر القلوب ويستدر الدموع.

مات أخرس المسجد ، ومات أخرس الفرح بعده بسنين ، وفى ذكريات المتنصتين والتنصت يرد أحياناً ذكر واقعة الفرح وواقعة المسجد ووقائع أخرى عن أمهما بائعة الكرشة .


1 comment:

Ossama said...

مشهد فانتازي عنيف يذكرنا بمشهدين
من الف ليلة
مشهد زواج الاحدب في قصة الوزيرين والجني والجنية والحمام
ومشهد الاحدب الذي كان يعمل مسخرة اي مهرج السلطان في حلاق بغداد
الفانتازيا تأتي من التحولات والاعاقة و الربط بين الموت والسخرية العنيفة الفظة
والعنف يأتي من ان كل شيء واقع
وكأن التجاوز السردي لا يتحقق الا بجعل الواقع حدوتة حتى يتم التطهير
في عودة لابسط القواعد الارسطية